تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ليس في ائمة المسلمين من استحب للمار أن يستقبل قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو عنده, وهذا الذي ذكرناه عن مالك والسلف يبين حقيقة الحكاية المأثورة عنه وهي الحكاية التي ذكرها القاضي عياض عن محمد بن حميد قال: ناظر أبو جعفر أمير المؤمنين مالكاً في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له مالك: يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك في هذا المسجد فإن الله تعالى أدب قوما فقال (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) الآية ومدح قوما فقال (إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله) وذم قوما فقال (إن الذن ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون) الآية وإن حرمته ميتا كحرمته حيا فاستكان لها أبو جعفر وقال: يا أبا عبد الله أستقبل القبلة وأدعو أم أستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ولِمَ تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم إلى يوم القيامة, بل استقبله واستشفع به فيشفعه الله فيك, قال الله تعالى (ولو أنهم ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله) الآية فهذه الحكاية على هذا الوجه إما أن تكون ضعيفة أو مغيرة, وإما أن تفسَّر بما يوافق مذهبه, إذ قد يُفهم منها ما هو خلاف مذهبه المعروف, بنقل الثقات من أصحابه, فانه لا يختلف مذهبه أنه لا يستقبل القبر عند الدعاء, وقد نص على أنه لا يقف عند الدعاء مطلقا, وذكر طائفة من أصحابه أنه يدنو من القبر ويسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو مستقبل القبلة ويوليه ظهره, وقيل لا يوليه ظهره فاتفقوا في استقبال القبلة, وتنازعوا في تولية القبر ظهره وقت الدعاء, ويشبه والله أعلم أن يكون مالك رحمه الله سئل عن استقبال القبر عند السلام, وهو يسمي ذلك دعاء, فإنه قد كان من فقهاء العراق من يرى أنه عند السلام عليه يستقبل القبلة أيضا, ومالك يرى استقبال القبر في هذه الحال, كما تقدم وكما قال في رواية ابن وهب عنه, إذا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم يقف ووجهه إلى القبر لا إلى القبلة, ويدنو ويسلم ويدعو, ولا يمس القبر بيده, وقد تقدم قوله إنه يصلي عليه ويدعو له, ومعلوم أن الصلاة عليه والدعاء له يوجب شفاعته للعبد يوم القيامة, كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي مرة صلى الله عليه عشرا ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا ذلك العبد فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه شفاعتي يوم القيامة) فقول مالك في هذه الحكاية ان كان ثابتا عنه معناه أنك إذا استقبلته وصليت عليه وسلمت عليه وسألت الله له الوسيلة يشفع فيك يوم القيامة, فإن الأمم يوم القيامة يتوسلون إلى الله بشفاعته, واستشفاع العبد به في الدنيا هو بطاعته وفعل ما يشفع له به يوم القيامة, كسؤال الله له الوسيلة ونحو ذلك, وكذلك ما نقل عنه من رواية ابن وهب إذا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم ودعا يقف ووجهه إلى القبر لا إلى القبلة ويدعو ويسلم يعني دعاءه للنبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه, فهذا الدعاء المشروع هناك كالدعاء عند زيارة قبور سائر المؤمنين وهو الدعاء لهم فإنه أحق الناس أن يصلي عليه ويسلم ويدعي له بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم, وبهذا تتفق أقوال مالك ويفرق بين الدعاء الذي أحبه والدعاء الذي كرهه, وذكر أنه بدعة.

وأما الحكاية في تلاوة مالك هذه الآية (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم .. ) الآية فهي والله أعلم باطلة, فإن هذا لم يذكره أحد من الأئمة فيما أعلمه ولم يذكر أحد منهم أنه استحب أن يُسأل النبي صلى الله عليه وسلم بعد الموت, لا استغفارا ولا غيره, وكلام مالك المنصوص عنه وعن أمثاله ينافي هذا, وإنما يُعرف مثل هذا في حكاية ذكرها طائفة من متأخري الفقهاء عن أعرابي أنه أتى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتلا هذه الآية وأنشد بيتين:

يا خير من دفنت بالقاع أعظمه ** فطاب من طيبهن القاع والأكم

نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه ** فيه العفاف وفيه الجود والكرم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير