فإنّ المسلمين (المتأخرين)، إذا أهلّ هلال ربيع الأوّل، أجمعوا أمرهم، وأخذوا أهبتهم، استعدادا لاستقبال يوم عظيم (في زعمهم)، وللاحتفال بموسم كريم (في نظرهم).
والواجب على كلّ مسلم يريد الله سبحانه والدار الآخرة أن لا يُقْدِمَ على أيّ عمل، دقّه وجلّه، ظاهره وخفيّه، حتّى يعرف حكم الله تعالى فيه، وأن يعرضه على ميزان الكتاب والسنَّة، على فهم سلف الأمة الذين عايشوا التنزيل، وعرفوا التأويل، ليكون على بيّنة من دينه.
وعليه فاعلم ـ أخا الإسلام ـ أنّ إقامة الاحتفال بمناسبة المولد النبوي، لا يجوز لأنّه من البدع التي أُحْدِثَتْ في الدين، والدليل على ذلك الأمور التالية:
أولا: أنّ البدعة هي «طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبّد لله سبحانه».
قال العلامة الشاطبي: في بيان ألفاظ هذا الحدّ:
«وقوله في الحدّ ‹تضاهي الشرعية› يعني أنّها تشبه الطريقة الشرعية من غير أن تكون في الحقيقة كذلك، بل هي مضادة لها من أوجه متعددة:
منها: التزام الكيفيات والهيئات المعيّنة، كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد، واتخاذ يوم ولاة النبي صلى الله عليه وسلم عيدا، وما أشبه ذلك» [«الاعتصام»: (1/ 36، 39)].
ثانيا: النصوص العامة الواردة في ذمّ البدع والحوادث منها قوله صلى الله عليه وسلم في حديث العرباض ابن سارية: «وَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِّينَ، عضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ» [صحيح، أخرجه أصحاب السنَّن إلاّ النسائي].
وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة رضي الله عنها: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» [متفق عليه]. أي مَرْدُودٌ على صاحبه.
ثالثا: أنّ هذا الاحتفال لم يفعله النبيّ صلى الله عليه وسلم ـ وهو المعنّي بالأمر ـ، ولا الخلفاء الراشدون الذين أمرنا باتباعهم كما في حديث العرباض، ولا فعل ذلك أحدٌ من الصحابة، وهم أعلم الأمَّة بالسنَّة، وأشدّهم حبّا للرسول صلى الله عليه وسلم وتعظيما له، ومتابعة لهديه.
ولا فعله التابعون ومن تَبِعَهم في القرون الثلاثة المفضّلة، ومن الأئمة الكبار الذين يُقتدى بهم في مثل فهذا الأمر العظيم.
وهؤلاء أحرص الناس وأشدّهم سَبقًا إلى الخيرات، وقد شهد لهم بذلك جَلَّ وَعَلاَ حيث قال: ?وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لهمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ? [التوبة: 100].
فلو كان قربةً تُشْرع، وسنَّةً تُتّبع لسبقونا إليه، فمن أجاز هذا الاحتفال فَلِسَانُ حَالِهِ ـ وربّ حالٍ أبلغُ منْ مقالٍ ـ يقول: إنّ اللهَ لم يكمل الدين، أو إنّ الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبلّغِ الرسالة، أو إنّ الصحابة ي كَتَمُوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أمرهم بتبليغه، وكلُّ ذلك ضلال في ضلال لأنّ الله تعالى يقول: ?اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ?، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «إِنَّه لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلاَّ وَكَانَ حَقَّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لهمْ، وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لهمْ» [رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما].
وقال سلمان الفارسي رضي الله عنه وقد قيل له: «قد علّمكم نبيّكم صلى الله عليه وسلم كلّ شيء حتى الخراءة، قال: أجل» [رواه مسلم].
وقال حذيفة رضي الله عنه: «قام فِينَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مَقَامًا أَخْبَرَنَا بما يكونُ فيه إلى قيام الساعة، عَقِلَهُ مَنْ عَقِلَهُ ونَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ» [رواه الحاكم (4/ 212)].
¥