ومعلوم أنّه كان للناس في الجاهلية أعيادٌ يعظّمونها ويجتمعون فيها، فلمّا بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم نسخ تلك الأعياد كلّها، فلم يبق منها شيءٌ كما روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينةَ، ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: «مَا هَذَانِ اليَوْمَانِ؟» قالوا: كنّا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا يَوْم الأَضْحَى وَيَوْم الفِطْرِ» [صحيح، أخرجه أبو داود والنسائي].
وقد ضبط الإسلامُ أعيادَ المسلمين، وجعلها ثلاثةَ أعياد، ليس في دُنْيَا المسلمين أعياد سواها.
عِيدٌ يَتَكَرَّرُ في الأسبوع، وهو يوم الجمعة، وهو مترتّب على إكمال الصلوات المكتوبات، وهي الركن الثاني من أركان الإسلام.
وعيدان في السَّنَةِ، يأتي كلُّ واحد منهما في العام مرةً واحدة، فأحدهما عيد الفطر، وهو مترتّب على إكمال صيام رمضان، وهو الركن الرابع من أركان الإسلام، وعيد الأضحى، وهو مترتّب على إكمال الحجّ، وهو الركن الخامس من أركان الإسلام.
فهذه أعياد المسلمين وهي مترتّبة على إكمال أركان الإسلام، فمن أحدث عيدا فقد أحدث في أعياد المسلمين.
ولا يخفى على كلّ مسلم أنّ للنبيّ صلى الله عليه وسلم حوادث ووقائع عظيمة، وأعزّ الله فيها دينه، ونصر نبيّه، مثل غزوة بدر والخندق وفتح مكة وغيرها، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه اتَّخَذَ مثل تلك الأيّام أعيادًا.
سابعا: أنّ الاحتفال بالمولد فيه تَشَبُّهٌ بالنصارى في احتفالهم بعيد ميلاد عيسى عليه السلام.
وقد نهينا عن التشبّه بهم واتباع ملّتهم، قال الله جلّ وعلا: ?وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ اليَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ? [البقرة: 120].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» [رواه أبو داود من حديث ابن عمر رضي الله عنهما بإسناد صحيح].
هذا فيما كان مشروعا في دينهم، فما بالك في اتباعهم فيما أحدثوه من العبادات أو العادات مِمّا لَمْ يكن مشروعًا في دينهم، لا شكّ أنّ هذا أَقْبَحُ وأَفْضَحُ، فإنَّه لو أحدثه المسلمون لكان منكرا، فكيف لو أحدثه الكافرون؟
هذا، ويضاف إلى ما تقدّم ذِكْرُه، ما يَحْدُثُ في هذه المناسبة من المخالفات والمنكرات الكثيرة، منها:
ـ ما جرت عليه العادة من صنع الطعام وإيقَادِ الشُّمُوعِ والمصَابِيحِ وتَفْجِيرِ المفَرْقَعَاتِ وإحداثِ النيرانِ ونحوها مِمَّا فيه إسرافٌ للأموال وتضييعٌ للأوقات، وتبديدٌ للطاقات، نَاهِيكَ عمّا تُسَبِّبُهُ من إضرار وأضرار، وإحداث هذه الأمور من التشبّه بالكفار في أعيادهم الدينية ومواسمهم السنوية.
ـ إقامة الحفلات ـ وسُميت الدينية ظُلما ـ واستعمال الأغاني ـ وسمّيت النبوية جُرْمًا ـ وآلات الملاهي والطرب كالشبابات والطبول والمزامير والأوتار. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَّ وَالحَرِيرَ وَالخَمْرَ والمَعَازِفَ» [رواه البخاري تعليقا مجزوما به داخلا في شرطه].
ـ إِنْشَادُ الأناشيدِ والقصائدِ المولدية، خاصة قصيدة «البُرْدَةِ» للبُوصيري مع ما اشتملت عليه من الضلالات والشركيات كقوله:
يَا أَكْرَمَ الخَلْقِ مَا لِي مَنْ أَلُوذُ بِهِ سِوَاكَ عِنْدَ حُلُولِ الحَادِثِ العَمِمِ
ففيه استغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم، والاستغاثة بالمخلوق من أنواع الشرك، قال تعالى: ?وَلاَ تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لاَ يَنْفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ? [يونس: 106].
ونظيره قوله:
مَا سَامَنِي الدَّهْرُ ضَيْمًا واسْتَجَرْتُ بِهِ إِلاَّ وَنِلْتُ جِوَارًا مِنْهُ لَمْ يُضَمِ
ففيه استجارةٌ بالنبي صلى الله عليه وسلم، واستشفاء به، والله جلّ وعلا يقول: ?وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُو? [يونس: 107].
وقوله:
فَإِنَّ مِنْ جُودِكَ الدُّنْيَا وَضَرَّتَها وَمِنْ عُلُومِكَ عِلْم اللَّوْحِ وَالقَلَمِ
¥