ففيه غلوٌّ كبير في النبي صلى الله عليه وسلم حيث يدّعي الشاعرُ أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم يعلم ما في اللوح المحفوظ، ويستلزم من ذلك أنّه يعلم الغيب، والله تعالى يقول: ?قُلْ لاَ يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الغَيْبَ إلاَّ اللهُ? [النمل: 65]، ويقول سبحانه: ?وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ? [الأعراف: 188]، وغير ذلك من الأبيات، ولهذا اشتدّ نكيرُ العلماء المصلحين الموحِّدين على هذه القصيدة والتي تُحفَّظ ـ مع الأسف الشديد ـ للأبناء الصغار بالزوايا، وبَيَّنُوا ضَلاَلَها ومخالفتَها لتوحيد المسلمين في إفراد الله جلّ وعلا بالتعظيم والإجلال والاستعاذة والاستعانة.
والعجيب أنّ بعض الناس يعتقدون أنّ قراءة هذه القصيدة «البُرْدَة» يثابُ عليها، وأنّ هذه القراءة تَصِلُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
ـ الغلو والإطراء في النبيّ صلى الله عليه وسلم: ومن مظاهر ذلك أنّ بعض الناس يعتقد أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم ليس من مثل البشر، بل هو نور من الله الذاتي، وأنّه يحضر بذاته كلّ مجلس ميلاده، وهو يسمع كلامهم.
ومن مظاهر ذلك، قراءةُ الأحاديث الموضوعة المخْتَلَقَةُ المصنوعة، مثل: (لولاك ما خلقت الأفلاك)، وفي لفظ: (لولاك ما خلقت الجنة، ولولاك ما خلقت النار)، وفي لفظ: (لولاك ما خلقت الدنيا)، و (أنا نور الله وكل شيء من نوري)، و (أنا عرب بلا عين أي ربّ، وأنا أحمد بلا ميم أي أحد)، وغير ذلك مما لا أصل له، وإنّما هو من وضع الدَّجَّالِينَ، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الكَاذِبِينَ» [رواه مسلم عن سمرة رضي الله عنه].
ومن مظاهر ذلك، شَدُّ الرِّحَالِ إلى قبر النبيّ صلى الله عليه وسلم والتوسّل به والتبرّك بشباك قبره.
وكلّ هذه المظاهر داخلة في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: «لاَ تطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُ اللهِ، فَقُولُوا: عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ» [رواه البخاري عن عمر رضي الله عنه].
وقوله صلى الله عليه وسلم: «إِيَّاكُمْ وَالغُلُوَّ فِي الدِّينِ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ قَبْلَكُمْ الغُلُوُّ فِي الدِّينِ» [صحيح، أخرجه أحمد وغيره].
وهناك بِدَعٌ ومحدثاتٌ أخرى كثيرة، ضربنا عنها صفحا، خشية الإطالة، وإلاّ فلا يخفى أنّ كلّ قرية أو بلد اختصّ بعادات وتقاليد هي من قبيل ما أُحْدِثَ في المولد.
فإن قيل: أنتم تُنْكِرُونَ الاحتفال بالمولد، وأنتم قِلَّةٌ قليلةٌ، وأكثرُ المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها يحتفلون، ويفرحون ويلعبون، بل فَعَلَه قومٌ من أهل العلم والفَضْلِ، فعلى آثارهم نحن مقتدون.
فيقال: إنّ الحقّ لا يُعرف بالكثرةِ ولا بالرجال، بل بالأدلة الشرعية، وقد ذمّ الله جلّ وعلا الكثرة في مواضعَ كثيرةٍ في القرآن، من ذلك قوله تعالى: ?وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ? [الأعراف: 187]، وقوله تعالى: ?وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ? [الأنعام: 116]، وفي المقابلِ يَمْدَحُ القِلَّةَ التي على الحقِّ، قال تعالى: ?إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ? [ص: 24]، وقد قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «الحَلاَلُ بَيِّنٌ وَالحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ» [رواه الشيخان من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه].
والعجيب أنّ هذه الكثرة، أكثرها لا يعرف من نبيّه إلاّ اسمه أو رَسْمه، وأَسْوَؤُهُمْ حَظًّا لا يعرفه إلاّ في هذه المناسبة، ناهيك عن إضاعة الواجبات وانتهاك الحرمات وركوب لُجَجِ المحرّمات.
وأمّا فِعله من بعض أهل العلم والفضل، فهذا إن كان فَعَلَه مجتهدا ومُتَأَوِّلًا فقد يؤجر على حُسْنِ قصدِهِ، لكنْ لم نُؤْمر باتّباعه في كَبْوَتِه وتقليده في هَفْوَتِه، وإنّما أُمرنا بإتباع الحقّ ونَدُورُ معه حيثما دَارَتْ رِكَابُهُ.
ثمّ لو اتّبعتِ الأمّةُ رُخَصَ العلماء وشذُوذَهم لَضاعَ الدينُ واندرستْ أحكامُه وانتكَسَتْ أعْلامُه.
¥