فأنت إذا قال لك رجل: فلان ثقة. وقال لك آخر: أنا سمعته يعكف على آلات اللهو والطرب أو رأيته على آلات اللهو والطرب. فبأي القولين تأخذ؟ ويقول لك رجل: فلان ثقة يصلي معنا، وحسن المعاملة. وآخر يقول: أنا رأيته عاكفا على آلات اللهو والطرب. فبأي القولين تأخذ؟ الجرح المفسر مقدم على التعديل، والجارح اطلع على مالم يطلع عليه المعدل.
والعلماء يتفاوتون في هذا المضمار من أجل هذا يحصل الاختلاف. وقد ذكر ابن أبي حاتم في كتابه «مناقب الشافعي» والبيهقي أيضا في كتابه «مناقب الشافعي» أنه اختلف الشافعي ومحمد ابن الحسن أي العالمين أعلم، مالك أم أبوحنيفة؟ وكان الشافعي يحب مالكا، والشافعي تلميذ مالك. ومحمد بن الحسن تلميذ أبي حنيفة. فقال الإمام الشافعي لمحمد بن الحسن: أنشدك الله، أصاحبنا أعلم بكتاب الله أم صاحبكم؟ قال: صاحبكم -يعني مالكا-. قال: أنشدك الله، أصاحبنا أعلم بسنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، أم صاحبكم؟ قال: صاحبكم -يعني مالكا-. قال: فلم يبق إلا القياس فالذي ليس لديه أصول فعلى أي شيء يقيس. هذه القصة ذكرها ابن أبي حاتم والبيهقي بسند صحيح.
شاهدنا من هذا أن العلماء يتفاوتون فمنهم إمام في الفقه، وهو ضعيف في الحديث، ومنهم إمام في الحديث، لا يستطيع أن يستنبط أحكاما كما يستطيع أن يستنبطها الفقيه.
والنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول (رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه) ويقول (رب مبلغ أوعى من سامع).
وعلم الحديث الذي زهد فيه كثير من الناس، وأصبحوا يزهدون فيه، إن لم يكن الفقيه محدثا فلا بد أن يتخبط، كما ذكره الشوكاني -رحمه الله تعالى- في كتابه «نيل الأوطار».
وهكذا أيضا لأن أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كثيرة ولا بد من النظر فيها، فماذا يفعل علماؤنا رحمهم الله تعالى؟ العلماء رحمهم الله تعالى إذا أرادوا أن يستدلوا بحديث؟ فإن كان في «الصحيحين» فقد أجمع أهل الحق على تلقي ما في «الصحيحين» بالقبول إلا أحاديث يسيرة انتقدها الحفاظ كالدارقطني وغيره. وإن كان في غير «الصحيحين» فإما أن يصححه حافظ من الحفاظ، كالحافظ ابن حجر والحافظ العراقي وغيرهما من العلماء الذين تصدوا للتصحيح والتضعيف، وإما أن تبحث أنت عن سنده لابد من هذا وإلا فلا يحل لك أن تستدل، لأن العلماء رحمهم الله تعالى مثل أبي داود -رحمه الله تعالى- يقول في «سننه»: ذكرت الصحيح وما يقاربه وما يشابهه، وما كان فيه وهن شديد بينته وما لم أذكر فيه شيئا فهو صالح.
وهكذا الترمذي ذكر الأحاديث الصحيحة، ورب حديث يذكره الترمذي ويقول: إنه ضعيف، ويقول: إنه منقطع، ويقول: إنه غريب. والغالب على ما قال فيه الترمذي: (غريب) فقط الضعف.
نور العالم إلى المتعلم
فسنة رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يجب على المدرس وعلى الواعظ أن يتعلمها وما أكثر التخبطات في كلام كثير من الواعظين، وذلكم من زمن قديم حتى إن من العلماء من ألف كتابا بعنوان «القصاص» وآخر يؤلف كتابا بعنوان «تحذير الخواص من أحاديث القصاص»، وكثير من الواعظين يعظون الناس بأحاديث ضعيفة وموضوعة، خصوصا الأحاديث التي يتلقاها بعضهم من بعض. فأنصح إخواني في الله من أراد أن يعظ فليقتن «رياض الصالحين» وليقتن «اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان» وليقتن الكتب التي قد خدمت.
أما أن تقرأ في «تنبيه الغافلين» لأبي الليث السمرقندي، أو تقرأ في «نزهة المجالس» أو تقرأ في «بدائع الزهور». وكثير من الكتاب العصريين يكتفون بقولهم رواه الترمذي، رواه ابن ماجه، رواه أبوداود، رواه الطبراني. وهذا لا يكفى لأن هؤلاء لم يشترطوا الصحة، بل لابد أن يقول رواه الطبراني وهو حديث صحيح أو حسن أو ضعيف إلى غير ذلك.
لا يكفى أن يعزو الحديث، ثم بعد ذلك أنت تقرأ وتظن أنه قد طبع في المطابع ولو لم يكن صحيحا لما طبع في المطابع، لا، فكتب السحر والدجل والشعوذة طبعت في المطابع، فإن المطابع الآن أصبحت آلة ارتزاق، يهمهم أن يطبعوا الكتاب الذي ينفق لهم في الأسواق.
¥