تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ونظير هذا، فإن إنكار خالق الكون –الذي وضع الأسباب الظاهرة، وجعلها ستارا ليد قدرته– ليس نتيجة منطقية وعقلية، بل هو ميل ورغبة نفسية، والخلاصة أن إسناد الخلق للأسباب– أي النظرية السببية– ليس إلا لعبة وحيلة ماكرة وقحة أراد بها الإنسان أن يوزع ملك الخالق بين المخلوقين لعله يبقى المالك المطلق والحاكم لكل ما يملكه، والمالك المطلق لذاته.

ليس في نيتي القيام بتلخيص “رسائل النور” ولكني أريد أن أوضح أن

هناك مسافة كبيرة بين مفهومي عن الله قبل قراءة رسائل النور وبين مفهومي الحالي عنه – سبحانه– بعد القراءة، فقد أصبحت مقتنعا بأنني عندما أقول: “لا إله إلاّ الله” فإني أكون قد قلت كل ما يجب قوله عن الله تعالى،

لذا فإني مدين بالشيء الكثير لرسائل النور، لقد أصبحت الآن قادرا على فهم أن الله تعالى كان بالنسبة إليّ في السابق شيئاً ضروريا لتكملة الصورة، أو كان هو العامل والسبب غير المعروف الذي يجب وضعه في بداية الخلق لتجنب مشكلة التسلسل اللانهائي. كان بالنسبة لي سابقا “السبب الأول” أو “المحرك الأول”، أي إلها لملء الثغرات، أي شبيها بوضع “الملك الدستوري” لدى الإنكليز، يقدم له أعظم أنواع التوقير والاحترام، ولكن لا يسمح له بالتدخل في شؤون الحياة اليومية.

بينما تشير رسائل النور –التي أَخَذَتْ إلهامها من الآيات الكريمة– أن الكائنات (التي هي مرايا لأسماء وصفات الله تعالى) ترينا على الدوام وبأشكال وصور وهيئات مختلفة ومتغيرة أدلة تقودنا إلى المعرفة وإلى التصديق وإلى التسليم، ثم إلى المحبة وإلى العبودية، وهكذا ترينا رسائل النور أن هناك خطوات وعمليات محددة يجب إنجازها لكي يكون الإنسان مسلما بكل ما في هذه الكلمة من معنى ...

فمن التأمل إلى المعرفة،

ومن المعرفة إلى التصديق،

ومن التصديق إلى الإيمان أو إلى الاعتقاد،

ومن الاعتقاد إلى التسليم.

وما دامت كل دقيقة جديدة، وكل يوم جديد يرينا جوانب جديدة وملامح جديدة من الحقيقة الإلهية فإن هذه العمليات تكون عمليات مستمرة ومتجددة، أي نستطيع القول بأن المظاهر الإسلامية الخارجية (أي أشكال العبادات) ثابتة بينما الإيمان في حركة ... أي يزداد أو ينقص، وذلك حسب العمليات التي سبق وأن ذكرتها، لذا فإن علينا أن نركز اهتمامنا على حقيقة الإيمان ... هذه الحقيقة التي ستتبعها حقيقة الإسلام.

لذا فإنني أستطيع أن أقول بأنني كنت مسلما ولكني لم أكن مؤمنا،

وإن ما كنت أحسبه إيمانا لم يكن في الحقيقة إلا عدم القابلية على الإنكار، أي استحالة الإنكار عندي. ومع أن بديع الزمان لم يقدم لي الإسلام– وهذا عمل يستطيع أي شخص القيام به– إلا أنه قدم لي الإيمان ... إيمان من خلال البحث والتمحيص وليس من خلال التقليد.

والآن دعونا نرجع إلى السؤال: ماذا نستطيع نحن المسلمين أن نقدم للغرب؟

والجواب: كل شيء ... أو لا شيء.

فنحن نملك الإيمان والإسلام وهما كل شيء، ونحن نملك فهما وتفسيرا معينا للإسلام الذي هو في كثير من الأحيان لا يسمن ولا يغني من جوع.

أما بالنسبة للكتب التي عرفتني بالإسلام، ولا سيما الكتب التي كتبت مع أخذ الغرب بنظر الاعتبار فهي ليست إلا نوعا من التبادل الثقافي البريء ...

ولكن القضية المركزية الثابتة للإيمان إما أهملت تماما أو ذكرت هامشيا.

تكررت كلمة “ الله ” تعالى في القرآن الكريم (2500) مرة، بينما تكررت فيه كلمة “ الإسلام ” أقل من عشر مرات، غير أننا نرى أن

هذه النسبة عكست في الكتب الإسلامية المعاصرة،

ففي القرآن نرى أن النسبة بين الإيمان والإسلام هي (5/ 1) (خمسة مقابل واحد) وذلك لصالح الإيمان، بينما نرى أن النسبة بين الإيمان وبين الإسلام في عناوين الكتب الإسلامية المكتوبة باللغة العربية حتى أواخر القرن التاسع عشر هي (2/ 3) لصالح الإسلام. نرى أن هذه النسبة أصبحت في ستينيات هذا القرن (1/ 13) (أي 13 كتابا يبحث عن الإسلام مقابل كتاب واحد يبحث عن الإيمان) ولا شك أن هذه النسبة زادت في هذه الأيام. والنتيجة الحتمية لهذا هي أن التوجه نحو الغرب تركز في تقديم الإسلام بصفة نظام وبديل أيديولوجي، وتم هذا التقديم في الغالب دون الإشارة إلى حقائق الإيمان.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير