ووصفه بالعالم الفلكي، وابتداعه تقويماً أضبط من التقويم الغربي المعروف بالغريغوري مشهور، وكذلك معرفته بالطب، وقصة مداواته لابن ملكشاه من داء الجرب مشهورة.
ترى: هل يمكن أن يوصف إنسان بالعلم، والخلق، والزهد، والتقوى، والحكمة، والفلكي، والمقرئ، ومجالس الملوك، والعلماء، وأفاضل الناس بغير ما وصفه أبناء عصره، وما سطره معاصروه بتلك الأوصاف الرائعة؟
لم يقل أحد من تلامذته، وشيوخه، وأصحابه، ورفاق دربه أنه كان
زنديقاً، أو سكيراً، أو منحرفاً .. حتى بالنسبة للشعر ذكروا أن له عدداً من الرباعيات في الزهد لا تزيد على بضع عشرة رباعية.
نبذة من أشعار الخيام:
جميعها أشادت به، وعرضت أشعاره بالعربية والفارسية ـ وهي قليلة ومحدودة ـ لا تتجاوز معاني الزهد، والشكوى من الأصحاب غير الأوفياء، والفقر، وهموم الحياة، والإيمان الكامل بالله الواحد الأحد، الفرد الصمد. ومنها:
تَدِينُ لِيَ الدنيا بلِ السبعةُ العُلى ** بلِ الأفقُ الأعلى إذا جاش ناظري
أصومُ عن الفحشاء جهراً وخِفيةً ** عفافاً .. وإفطاريَ تقديسُ فاطري
وكم عصبةٍ زلَّتْ عن الحق فاهتدت ** بطُرْقِ الهدى من فيضيَ المتقاطرِ
فإن صراطي المستقيمَ بَصَائرٌ ** لعينٍ على وادي العمى كالقناطر
ومنها قوله:
إذا قنِعتْ نفسي بميسور بُلْغةٍ ** يحصِّلها بالكدِّ كفي وساعدِي
أمِنتُ تصاريفَ الحوادث كلّها ** فكنْ يا زماني مُوعدي أو مُواعدي
ولي فوق هامِ النيِّرَيْنِ مَنازلٌ ** وفوق مَناطِ الفرقدين مَصاعدي
أليس قضى الأفلاك من دَوْرها بأن ** يُعيدَ إلى نحسٍ جميعَ المَساعد
فيا نفسُ صبراً عن مقيلِِكِ إنما ** يَخِرُّ ذراها بانقضاض المَواعد
متى ما دنت دنياكَ كانت بعيدةً ** فواعجباً من ذا القريب المُباعد
إذا كان محصولُ الحياة منيةُ ** فسيَّانِ حالا كلِّ ساعٍ وقاعد
الكتب المعاصرة التي تحدثت عن الخيام:
يشهد على ذلك ما جاء في ترجمة حياته بتلك الكتب التي كتبت في حياته، والكتب التي كتبت بعد وفاته بقليل، منها: كتاب (جهار مقاله) لتلميذه أحمد بن عمر النظامي السمرقندي وكتاب (حواشي جهار مقاله)، وكتاب (الزاجر للصغار عن معارضة الكبار) للزمخشري، وكتاب (حكماء الإسلام) للإمام أبي القاسم البيهقي، وكتاب (نزهة الأرواح وروضة الأفراح) لشمس الدين محمد بن محمود الشهرزوري، وكتاب (فردوس التواريخ) لخسرو الأبرقوهي، وكتاب (عجائب المخلوقات) لعماد الدين زكريا القزويني، وكتاب (جامع التواريخ) لرشيد الدين، وكتاب (أخبار الحكماء) لجمال الدين علي بن يوسف القفطي، وكتاب (كامل التواريخ) لابن الأثير، وسواها.
جميعها أشادت به، وعرضت أشعاره بالعربية والفارسية ـ وهي قليلة ومحدودة ـ لا تتجاوز معاني الزهد، والشكوى من الأصحاب غير الأوفياء، والفقر، وهموم الحياة، والإيمان الكامل بالله الواحد الأحد، الفرد الصمد.
السؤال الكبير:
ويثور في الذهن سؤال ضخم كبير: كيف نُسب إلى هذا الرجل هذا الكم الهائل من الرباعيات، وهو لم يقل إلا بضع عشرة رباعية؟ وكيف جعلت الأشعار عمر الخيام زنديقاً أو كالزنديق، وهو رفيق أكابر العلماء ونظيرهم؟ وكيف انتقلت هذه الأشعار إلى لغات العالم؟ ولماذا صورته بهذه التصاوير؟ ولماذا بذلت الرباعيات هذا البذل، وغدت بمتناول كل يد؟
ونتساءل عن هذه الظاهرة التي انتشرت في العالم كله منذ ما يزيد على مئة عام، ونحاول أن نعرف العوامل التي دفعت إلى انتشار هذه الأشعار الماجن لشاعر مسلم.
بدايات كشف الخيام:
كان أول من عرف الخيام من الفرنجة توماس هايد أستاذ العربية والعبرية في جامعة أوكسفورد، وتبعه المستشرق النمساوي هامر برغستل سنة 1818 م، ثم غرسن دو تاسي. وفي القرن التاسع عشر ترجم السير كور أوسلي رباعيتين، وإدوارد هارن بعض رباعيات، والفرنسي نيقولا السفير في طهران ترجم رباعياته وقال: صوفية تتصل بالعشق الإلهي والخمرة المقدسة، وشبهه بحافظ الشيرازي، وبلغ عد المترجمين للرباعيات في القرنين الماضيين أكثر من عشرين مترجماً، ومعظمهم من اليهود، والمؤلفين في الأدب العبري.
فيتزجيرالد ابتدع الأكذوبة الكبرى:
¥