وفي سنة 1859 م نشر الشاعر الإنكليزي فيتز جيرالد الرباعيات شعراً، وبهذا الشعر انتشرت الرباعيات في جميع أصقاع العالم، وبدأ الناس يعرفون عمر الخيام، ويرددون شعره.
وفي سنة 1893 م اجتمع عدد من الأدباء والصحفيين الإنكليز، وأسسوا في مدينة لندن نادياً سموه:"نادي عمر الخيام omar khayam club ، وزرعوا بعد سنتين شجرتي ورد على قبر الشاعر فيتز جيرالد أتوا بهما من إيران.
مهمة هذا النادي أن يذيع على الدوام ليل نهار أشعار الخيام التي ترجمها فيتز جيرالد، وعلى أنغام الموسيقى يشرب الرواد الخمر، ويظلون يسكرون، ويغنون، ويشتمون، ويلعنون السماء إلى أن يتعتعهم السكر، ويرميهم أرضاً.
انتشرت فكرة النادي ـ الحانة ـ في إنكلترا أول الأمر، وشاع صيته وانتشر، فقلده عديد من بلاد العالم، منن لاهور شرقاً إلى غربي العالم الأمريكي غرباً. وفيها جميعاً دعوة صارخة إلى احتساء الخمر، وتعاطي الملذات، والكفر بكل ديانات السماء، وإنكار البعث والحشر والجنة والنار، وعدم الخوف من حساب أو عقاب
مثل هذه النادي كثير من بلاد الشرق والغرب، ووصل إلى بلدنا، فلقد كان هناك في إحدى مدن أريافنا رجل كان يملأ دنانه بالخمر، ويأتى بشريط أم كلثوم الذي تغني فيه رباعيات الخيام، ويظل يشرب على سماع الشريط ولحن أم كلثوم إلى أن ينطرح أرضاً .. وهكذا كان يقضي العمر مستمعاً لشريط الراعيات، ومتعاطياً الخمر، ومنكراً التعاليم الإلهية كما تقول رباعيات الأغنية، إلى أن وافاه الأجل المحتوم، ولم يخرج في جنازته أحد من أهل البلدة جميعاً.
ترى: أي سحر تحمله تلك الأشعار حتى راح يتغنى بها آلاف الناس في شتى بقاع الأرض؟؟
في الحق: إن من يقرأ أشعار الإنكليزي فيتز جيرالد الرائعة والمسبوكة لغة كأنها السحر، ينجذب على مضمونها، ويسحر بأسلوبها وجمالها كل من يقرأها.
أشعار فيتزجيرالد التي أفسدت العالم وليس أشعار عمر الخيام:
وأعجب من هذا كله أن هذه الأشعار ترجمت من الإنكليزية إلى معظم لغات العالم، وما رباعيات الخيام العربية المغناة بالعربية، والتركية، والأوردية، والفرنسية، والروسية، وسائر اللغات الأخرى إلا ترجمة لرباعيات فيتز جيرالد، وليس لعمر الخيام الحقيقي يد فيها، ولا معرفة، ولا هو قالها، بل لم تكن تخطر له على بال، وهو بريء منها براءة الذئب من دم ابن يعقوب.
هذا التناقض العجيب بين رباعيات قال فيتزجيرالد إنها منسوبة لعمر الخيام ودراسة موضوعية رصينة لشخصية عمر الخيام تظهر لنا أن في الأمر سراً.
ونتساءل: أصحيح أن عمر الخيام كان رجلاً متهتكاً، سكيراً، عربيداً .. أمضى حياته كما يصورون ويزعمون؟ أصحيح أنه نظم كل هذا الفيض من الرباعيات الصارخة بالمجون والمعصية والفجور؟
ويكشف العلماء والباحثون السر، ويربطون بين حركة الاستعمار التي قويت واشتدت في القرن الثامن عشر، وما رافقها من حملات تبشيرية، وتنصيرية.
زعم المبشرون أنهم وجدوا مخطوطة في جامعة أوكسفورد فيها رباعيات منسوبة إلى رجل يدعى بـ "الخيام"، كلها زندقة، ودعوة إلى السكر والعربدة، وسرعان ما ترجمها إلى الإنكليزية اليهودي (توماس ماير)، ثم تلقفها (فون هامر النمساوي) ونقلها إلى الألمانية .. حتى إذا حلت سنة 1859 الميلادية وجدنا (فيتزجيرالد)، وهو أديب إنكليزي لامع، وشاعر مبدع، فاختار من الرباعيات ما شاء له الهوى، ونقلها ـ بالمعنى ـ شعراً إلى الإنكليزية. وكانت ـ كما يقولون ـ أشعاراً رائعة، وفي غاية الجمال .. فأعجب بها الناس .. وانتقلت من الإنكليزية إلى معظم لغات العالم، حتى إلى الفارسية والعربية .. وولد من خلالها شاعر جديد، اسمه: عمر الخيام لا يمت بصلة إلى عمر الخيام الفارسي الأصيل المسلم بصلة إلا بصلة الاسم، لا أكثر.
وربح الاستعمار والمبشرون ربحاً لانظير له .. فلقد أوهموا المشارقة ـ بخاصة ـ أن من علمائهم الكبار من ينظم مثل هذه الأشعار، ويشرب هذه الخمور، ويفعل هذه الأفاعيل .. إذن، فلا حرج عليهم أن يقلدوا عالمهم .. ويتبعوا فلسفته .. شبراً بشبر، وذراعاً بذراع.
¥