تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولكن المعروف أن محمد علي السنوسي – صاحب الطريقة الصوفية المشهورة المعروفة في شمال أفريقية – قد تأثر بالدعوة الوهابية، ولم يتعارض ذلك مع دعوته الصوفية التي قامت على جهاد النفس وإعدادها لجهاد أعداء الإسلام من المستعمرين، وقد بلغ سوء الفهم ببعض أتباع الدعوة أن جعلوا مهاجمة التصوف هو السمة الأولى والهدف المقدم في أهداف الدعوة، حتى خلطوا بهم كل من دعا بهذه الدعوة وَعَدُّوه منهم، غافلين عن أن التصوف يمكن أن يهاجم من منطلقين مختلفين: من منطلق سلفي يهاجم الابتداع، ومن منطلق علماني لبرالي ينكر الغيبيات ويخضعها للتفكير الحر، ومن هذا المنطلق خلطوا بين الأفغاني ومحمد عبده والكواكبي وبين محمد بن عبد الوهاب مع أنهم لا يجمعهم به جامع سوى مهاجمة التصوف، ومع أن لهم انحرافات كثيرة في تفسير القرآن، وفي الفتاوى الفقهية لا تقرهم عليها دعوة محمد بن عبد الوهاب بحال من الأحوال، مثل: تأويلاتهم العصرية لكثير من آيات القرآن، وإباحتهم التزيّي بزيّ غير المسلمين، وأكل لحومهم التي تقتل بغير الذبح، والاستعانة بهم في تربية أبناء المسلمين وتعليمهم، وإباحة الأرباح التي تعطيها صناديق التوفير عن الأموال المودعة فيها، وإباحة التصوير، والتماس العلم بالتاريخ الإسلامي والفِرَق الإسلامية في كتب المستشرقين، والدخول مع النصارى في دعوة للتأليف بين الإسلام والنصرانية، والدعوة إلى محالفة أعداء الإسلام المتغلبين على دياره وموادتهم بدلاً من جهادهم، وتولي الماسونية وقبولهم أن يقادوا إليها أول ما يدخلونها في حفل التكريس معصوبي الأعين يطرقون الباب فيسألهم سائل من داخل المحفل: من الطارق؟ فيجيب طالب الدخول في الماسونية: أعمى يطلب النور؛ بل إن في رسائل محمد عبده إلى أستاذه الأفغاني مما هو ثابت الآن بوثائق خطية نشرتها جامعة طهران، ونشرها من قبل رشيد رضا في كتابه (تاريخ الأستاذ الإمام)، ما هو أعظم في نفس التوحيد من التوسل بمن مات من الصالحين، مما يحكم عليه مذهب محمد بن عبد الوهاب بالشرك، مثل: وصف محمد عبده للأفغاني في أحد هذه الرسائل بأنه (السيد المطلق، سدرة منتهى العرفان ... الإمام المفرد والعقل المجرد، بدل الأبدال "مهبط الفيض مصعد الكلم الطيب مجلي سر الجمال الأكمل" وقوله في رسالة أخرى: "ليتني أعلم ماذا أكتب إليك وأنت تعلم ما في نفسي كما تعلم ما في نفسك، صنعتنا بيدك، وأفضت على موادنا صورها الكمالية، وأنشأتنا في أحسن تقويم فعنك صدرنا وإليك المآب"، وفيها يقول: " ... وروح حكمتك التي أحييت بها مواتنا وأنرت عقولنا ولطفت بها نفوسنا؛ بل التي بطنت بها فينا فظهرت في أشخاصنا، فكنا أعدادك وأنت الواحد، وغيبك وأنت الشاهد، ورسمك الفوتوغرافي الذي أقمته في صلاتي رقيباً ما أقدم من أعمال ومسيطراً على أحوالي" وفيها يقول – أيضاً -: "فإني على بينة من أمر مولاي، وإن كان في قوة بيانه ما يشكك الملائكة في معبودهم والأنبياء في وحيهم".

والواقع أن الصوفية يجب أن يفرق فيها بين منهجين، أحدهما: منهج في السلوك يأخذ بيد المنحرفين البعيدين عن الصراط المستقيم، ويتدرج بهم حتى يضعهم على المحجة البيضاء، ويتدرج بالمستقيمين على طريق الدين في رياضات روحية تسمو بهم حتى تخلصهم من سلطان الشهوات على اختلافها: شهوة البطن، وشهوة الفرج، وشهوة الجاه والسلطان وحب المال، وهذا المنهج مفيد لا بأس به في أكثره، والمنهج الآخر منهج في الفكر والمعرفة، يخوض في عالم الغيب ويقول فيه بغير دليل، ويغامر في اقتحام مجاهيل محجوبة عن علم الناس يضر الخوض فيها ولا يفيد، وأكثره مفسد للعقيدة يشوبه خلط كثير يزعزع الإيمان.

وقد فهم الصوفية من جانب آخر أن محمداً بن عبد الوهاب ينكر ولاية الصالحين وكراماتهم وهو غير صحيح، وكتب محمد بن عبد الوهاب وكتب أستاذه ابن تيمية تشهد بغير ذلك، كل ما في الأمر أنهما لا يُعدان صدور الغرائب من إنسان دليلاً على ولايته؛ لأن الغرائب تجيء من طريق شيطاني كما تجيء من طريق رحماني؛ ثم إنهما يعترضان على الاعتقاد بأن هؤلاء الصالحين من أولياء الله قادرون على جلب النفع أو دفع الضر.

وقد قادهم سوء الظن - مع ما شاهدوه من عنف بعض أتباع الدعوة وسوء فهمهم – إلى الادعاء بأن مذهب محمد بن عبد الوهاب يمنع من الصلاة والسلام على رسول الله ومن زيارته ويحقر أصحابه، وهو غير صحيح نفاه محمد بن عبد الوهاب فيما رد به على شبهات أعدائه في رسائله.

وهكذا أفضى سوء ظن الصوفية بالدعوة وأتباعها إلى العنف والإسراف في مهاجمتها.

وبعد:

هذه جملة من المسائل نرجو أن يكون في طرحها ما يدعو إلى المزيد من البحث والإيضاح.

والحمد لله أولاً وآخراً، وصلى الله على سيدنا محمد وسلم تسليماً كثيراً.

هذا المقال الرائع أحببت أن أطرحه على الاخوة في هذا المنتدى للإطلاع عليه ومعرفة ما فيه من ايضاحات كانت قد طغت وظلمت فكر الامام محمد بن عبد الوهاب واتهامه جزافاً بتهم لم يقم عليها دليل كان مصدرها المنتفعين من الدعوات الساقطة الذين خافوا على عروشهم من الانهيار أمام عقيدة التوحيد ومفهومها الاسلامي الشامل. والحمد لله رب العالمين.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير