تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وَلَمْ يَدْخُلْ طِفْلُهُمُ الْمَدْرَسَةَ إلا وَهُوَ يَعْرِفُ الْقِرَاءَةَ وَالْكِتَابَةَ وَالْحِسَابَ وَالإمْلاءَ عِلاوَةً عَلَى حِفْظِ جُزْأَيْ (عَمَّ وَتَبَارَكَ) كُلُّ ذَلِكَ مُقَابِلُ خَمْسَةَ عَشَرَ قِرْشًا.

وَكَانَ الشَّيْخُ الأزْهَرِيُّ (مُحَمَّدٌ عَبْدُ الْعَظِيمِ الأزْهَرِيُّ) يَتَفَرَّسُ فِي الطَّالِبِ النَّجَابَةَ فَكَانَ كَثِيرًا مَّا يَقُولُ لَهُ مُتَفَاخِرًا أَمَامَ الْمُصَلِّينَ (إِنت لسانَك لسانْ عربِي مبين!) وَكَانَ يُقَدِّمُهُ للصَّفِّ الأوَّلِ، وَيُوعِزُ لِلْمُصَلِّينَ أَنَّ الْفَتَى هَذَا هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى التَّصْحِيحَ إِنْ نَّسِيَ هُوَ شَيْئًا بِالتِّلاوَةِ أَثْنَاءَ الصَّلاةِ.

ثُمَّ انْتَقَلَ الْفَتَى نَقْلَةً كَبِيرَةً حِينَ قَدَّمَهُ الأزْهَرِيُّ لِيَقْرَأَ عَلَى الْمَلَأ أَمَامَ النَّاسِ قُرْآنَ الْجُمُعَةِ ـ كَعَادَتِهِمْ ـ وَهُوَ وَقْتَهَا فِي الصَّفِّ الرَّابِعِ الابْتِدَائِيِّ، وَكَانَ الأمْرُ مَدْعَاةً لِّلطُّرْفَةِ وَالْفَخْرِ مَعًا؛ حِينَ كَانَ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيٍّ مُزَخْرَفٍ وَيُحَاوِلُ الْجَمِيعُ جَاهِدِينَ أَنْ يُنزِلُوا حَامِلَ الْمَيْكُروفُونَ إلَى مُسْتَوَى الصَّغِيرِ فَيَفْشَلُونَ! ثُمَّ يَلْجَؤونَ إلَى إبْعَادِهِ عَنْهُ مَسَافَةً ثُمَّ يُمِيلُونَهُ إلَيْهِ مُسْتَخْدِمِينَ فِي ذَلِكَ أَحْذِيَةَ الْمُصَلِّينَ قَدِيمَهَا وَجَدِيدَهَا أسْفَلَ الْحَامِلِ، وَيَحْلُمُ الصَّغِيرُ بَعْدَهَا أَنْ يَكُونَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مُقْرِئًا شَهِيرًا وَأَنْ (يلعب) بِالْكَلِمَاتِ كَمَا يَلْعَبُ بِهَا مَنْ يَقُولُونَ إنَّهُمْ مِّنْ أَصْحَابِ الْقِرَاءَاتِ؛ فَيُعِيدُونَ الآيَةَ الْوَاحِدَةَ بِأَكْثَرَ مِنْ طَرِيقَةٍ ـ وَلَكِنَّهُ لابُدَّ أَنْ يُفَكِّرَ جِدِّيَّا مِنَ الآنِ مَاذَا سَيَكُونُ اسْمُهُ الْجَدِيدُ؛ فَاسْمُهُ هَذَا لَيْسَ اسْمَ شُهْرَةٍ أبَدًا .. وَلابُدَّ مِنَ التَّغْييرِ!!

لَقَدْ كَانَ لِلأمِّيّ وَالِدِ الْفَتَى ذَكَاءٌ فِطْرِيٌّ فَكَانَ لا يَتْرُكُ شَارِدَةً وَلا وَارِدَةً فِي ابْنِهِ إلا عَلَّمَهُ إيَّاهَا بَدْءًا مِّنْ كَيْفَ يَتَحَدَّثُ أَمَامَ النَّاسِ وَكَيْفَ يَمْشِي فِي الطَّرِيقِ وَوُصُولا إلَى كَيْفَ يُقَيِّدُ رَابِطَةَ نَعْلَيْهِ. فَاسْتَطَاعَ عَلَى أمِّيَّتِهِ وبجَلَدِهِ عَلَى التَّعَلُّمِ أنْ يَقْرَأ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ كُلَّهُ بِتَكْرَارِ السَّمَاعِ لِلْمُقْرِئِينَ الَّذِينَ كَانَ يَعْشَقُ أصْوَاتَهُمْ وَيَطْرَبُ لَهَا.

لَقَدْ كَانَ لَهُ مِنْ حَظٍّ الدُّنْيَا (نَايٌ) مِّنْ نُّحَاسٍ تَرَكَهُ مُنْذُ صِبَاهُ، لَكِنَّهُ يَحْتَفِظُ بِهِ فِي حَقِيبَةٍ يَجْمَعُ فِيهَا مُدَّخَرَاتِهِ، وَكَانَ أبْنَاؤُه وَبَنَاتُهُ قَلَّمَا يُلِحُّونَ عَلَيْهِ أنْ يَضْرِبَ لَهُمْ شَيْئًا يَسْمَعُونَهُ فَيَرْضَى مُبْتَسِمًا وَالأطْفَالُ مِنْ حَوْلِهِ يَتَمَايَلُونَ طَرِبِينَ.

وَانْتَقَلَتْ الثِّقَةُ بِفَتَانَا إلَى الْمَدْرَسَةِ الابْتِدَائِيَّةِ حَيْثُ بَدَأ في الصَّفِّ الثَّانِي الابْتِدَائِي يَفْتَتِحُ الطَّابُورَ الصَّبَاحِيَّ وَجَمِيعَ الْحَفَلاتِ بِالْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَيَرْجِعُ إلَيْهِ الْمُعَلِّمُونَ وَالْمُعَلِّمَاتُ إذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ مِّنْ كِتَابِ اللهِ، أوْ تَنْفَرِدَ بِهِ مُعَلِّمَةٌ لِتَسْتَشِيرُهُ فِي أمْرٍ دِينِي بَسِيطٍ.

كَانَ يَوْمًا مُشْرِقًا كَثِيرَ الرِّزْقِ وَالْخَيْرِ حِينَ زَارَ الْمَدْرَسَةَ مُوَجِّهُ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَكَانَ رَجُلا وَجِيهًا مُهَابًا .. فَقَالَتْ لَهُ الْمُعَلِّمَةُ (أ. فاطمة عبد الحميد): سَأُسْمِعُكَ شَيْئًا تَتَفَاجَأُ بِهِ .. وَطَلَبَتْ مِنَ الْفَتَى أنْ يَقْرَأَ بَعْضَ الآيَاتِ، وَمَا أنِ انْتَهَى حَتَّى قَالَ لَهُ الْمُوَجِّهُ: لا أَعْرِفُ يَا بُنَيَّ بِمَ أُكَافِئُكَ؟ وَفَتَحَ حَافِظَةَ نُقُودِهِ وَأَعْطَى الْفَتَى جُنَيْهًا [مِائَةَ قِرْشٍ] فَكَانَ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمِسْكِينِ ثَرَاءً فَاحِشًا، لَجَأَ فِيهِ إلَى الْحِيلَةِ عَلَى زُمَلَائِهِ يُمَنِّيهِمْ بِالْوُعُودِ الْكَاذِبَةِ حَتَّى يَتْرُكُوهُ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير