تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وَجُنَيْهَهُ!!

لَمْ تَكْتَفِ أ. فَاطِمَةُ أنْ تَكُونَ مُعَلِّمَةً فَقَطْ؛ فَقَدْ كَانَتْ أُمًّا ثَانِيَةً لِّكُلِّ الصَّفِّ بَنِينَ وَبَنَاتٍ؛ كَيْفَ لا وَقَدْ رَافَقَتْهُمْ سِتَّ سَنَوَاتٍ دِرَاسِيَّةٍ خَصَّتْ فِيهَا الْفَتَى بِمَزِيَّةِ قُرْبَةٍ؛ فَيَأَتِيَهَا بِبَيْتِهَا مَرَّتَيْنِ فِي الْيَوْمِ ـ عَرْضًا مِّنْهَا عَلَيْهِ ـ دُونَ مُقَابِلٍ، فَلا تَعْجَبْ أنْ تَرَاهَا تَخُصُّ الْفَتَى بِالنِّدَاءِ مِنْ بَيْنِ الْجَمِيعِ لِيَأْتِيَهَا بِمَكَانِ طَبْخِهَا؛ فَتَخُصُّهُ بِقِطْعَةٍ مِّنَ الْحَلْوَى الَّتِي أَعَدَّتْهَا لأوْلادِهَا أوْ تُسِرُّ لَهُ بِأَمْرٍ وَلِمَ لا؟! فَقَدْ كَانَ يُشْعِرُهَا بِالفَخْرِ حِينَ يَتَقَدَّمُ بِالْمَرْكَزِ الأوَّلِ بِجَمِيعِ الْمُسَابَقَاتِ الدِّينِيَّةِ، أوْ حِينَ تُخْبِرُهَا إحْدَى النِّسَاءِ أنَّهَا تَسْتَمِعُ كُلَّ يَوْمٍ مِّن نَّافِذَةِ بَيْتِهَا لِهَذَا الْفَتَى وَهُوَ يَتْلُو بِقُرْآنِ الإذَاعَةِ الصَّبَاحِيَّةِ، كانت أ. فَاطِمَةُ فِي الأمُومَةِ مَلْجَأ .. كَانَتْ فَارِعَةَ الطُّولِ وَالأخْلاقِ؛ هِيَ كَمَا قِيلَ مَدْحًا: طَوِيلَةُ النَّجَادِ رَفِيعَةُ الْعِمَادِ،أمَّا فِي الْمَلاحَةِ فَهْيَ فِي عَيْنِ الْفَتَى كَمَنْ تَرَدَّيْنَ بِالْجَمَالِ بُرْدَا!

وَكَانَ صَاحِبُنَا كَثِيرًا مَّا يُدْعَى لأنْ يُؤَذِّنَ الْعَصْرَ بِالْمَدْرَسَةِ وَتَتَوَقَّفُ الْشُّرُوحُ لِسَمَاعِ أَذَانِهِ، كُلُّ ذَلِكَ وَهُوَ سَعِيدٌ لِّتَمَيُّزِهِ بِتَرْكِ الْحِصَّةِ، فَتَرَاهُ يَخْرُج ُمِنَ الصَّفِّ وَفِي عَيْنَيْهِ آثَارُ الشَّمَاتَةِ بِالطُّلابِ الْمَسَاكِينِ الْمُلْزَمِينَ بِمُتَابَعَةِ الدَّرْسِ!

لَقَدْ كَانَ يَسْعَدُ بِالأذَانِ أيَّمَا سَعَادَةٍ خَاصَّةً حِينَ وَثِق بِهِ مُؤَذِّنُ الْحَيِّ ـ إذَا اضْطُرَّ للسَّفَرِ ـ فَيَتْرُكُ لَهُ مِفْتَاحَ الْمَسْجِدِ وَخِزَانَةَ المَيْكُرُوفُونِ لِيَتَغَنَّى بِالأذَانِ فِي أوْقَاتِهِ الْخَمْسَةَ أيَّمَا تَغَنٍّ!

لَمْ تَنْتَهِ السَّنَوَاتُ السِّتُّ الأولَى مِنَ الْمَدْرَسَةِ إلا وَالْفَتَى عُضْوٌ فَاعِلٌ مَّعَ جَمَاعَةِ التَّبْلِيغِ وَالدَّعْوَةِ، يَرْحَلُ مَعَهُمْ أيْنَمَا رَحَلُوا وَيَبِيتُ اللَّيْلَةَ واللَّيْلَتَيْنِ بِمَسْجِدٍ مِّنَ الْمَسَاجِدِ، أوْ يُكَلَّفُ بِمَهَمَّةٍ كَإِدَارَةِ حَلْقَةٍ لِّلْكِبَارِ، يَقْرَأُ فِيهَا مِن كِتَابِ (رِيَاضِ الصَّالِحِينَ) أوْ يَقِفُ أمَامَ الْمُصَلِّينَ لِيُعْلِنَ عَنْ جِلْسَةِ خَيْرٍ بَعْدَ صَلاةِ السُّنَّةِ، وَهُوَ يَدِينُ لَهُمْ بِكَثِيرٍ مِّنْ خِصَالِ الْخَيْرِ وَالأثَرَةِ وَالآدَابِ وَالرَّقَائِقِ.

وَاسْتَمَرَّ الأمْرُ حَتَّى أصْبَحَ يُدْعَى لِلِاحْتِفَالَاتِ خَارِجَ حَيِّهِ مِمَّا يَحْضُرُ فِيهِ كِبَارُ الزُّوَّارِ. وَيُقَدِّمُهُ الْمُقْرِئُونَ بِسِرَادِقَاتِ الْعَزَاءِ إذَا رَأَوْهُ لِيَقْرَأَ أمَامَ النَّاسَ، وَتَكُونُ فُرْصَةً لَّهُمْ لِيَسْتَرِيحُوا بَعْضَ الْوَقْتِ أوْ يَأْكُلُوا شَيْئًا مِّنَ الطَّعَامِ ..

لَقَدْ وَجَدَ الْفَتَى نَفْسَهُ مُلْزَمًا بِالْمَكَانَةِ الَّتِي يَرَاهُ النَّاسُ عَلَيْهَا؛ فَلِمْ يَكُنْ يَلْعَبُ مَعَ أقْرَانِهِ إلا وَيَتْرُكُ لَهُمُ اللَّعِبُ إذَا حَانَ وَقْتُ الصَّلاةِ، فَإِلَّمْ يَذْهَبْ نَادَاهُ أحَدُهُمْ (أنْ قَدْ حَانَ وَقْتُ الصَّلاةِ) لِيَنْصَرِفَ الْفَتَى وَيَأْخُذُ الْمُنَادِي مَكَانَهُ فَرِحًا مَسْرُورًا. وَكَيْفَ لا يَتْرُكُ اللَّعِبَ وَقَدْ كَانَ يَشْتَرِطُ عَلَى رِفَاقِهِ وَقْتَ التَّنَزُّهِ بِالأعْيَادِ أنْ سَنَتْرُكُ أيَّ شَيْءٍ مَّعَنَا إذَا حَانَ وَقْتُ الصَّلاةِ.

لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرَبًا عَلَى أهْلِ الْحَيِّ أنْ يَلْجَؤُوا لِلْفَتَى حِينَ أُصِيبَ الأَزْهَرِيُّ فِي عَيْنِهِ الْوَحِيدَةِ الَّتِي كَانَ يَرَى بِهَا، ثُمَّ سَافَرَ إلَى مَسْقَطِ رَأْسِهِ بِالصَّعِيدِ ـ أَنْ يَلْجَؤُوا لِلْفَتَى كَيْ يَسْتَمِرَّ فِي إدَارَةِ الْكُتَّابِ لِيَسِيرَ عَلَى نَهْجِ الأْزْهَرِيِّ التَّرْبَوِيِّ الْفَصِيحِ الْمُفَوَّهِ .. تَمَّ ذَلِكَ طِيلَةَ فَتْرَةِ دِرَاسَةِ الشَّابِّ الْجَامِعِيَّةِ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير