تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وبناء عليه؛ فليس من شروط الحوار الناجح أن ينتهي أحد الطرفين إلى قول الطرف الآخر. فإن تحقق هذا واتفقنا على رأي واحد فنعم المقصود، وهو منتهى الغاية. وإن لم يكن فالحوار ناجح. إذا توصل المتحاوران بقناعة إلى قبول كلٍ من منهجيهما؛ يسوغ لكل واحد منهما التمسك به ما دام أنه في دائرة الخلاف السائغ. وما تقدم من حديث عن غاية الحوار يزيد هذا الأصل إيضاحاً. وفي تقرير ذلك يقول ابن تيمية رحمه الله: (وكان بعضهم يعذر كل من خالفه في مسائل الاجتهادية، ولا يكلفه أن يوافقه فهمه) ا هـ. من المغني.

ولكن يكون الحوار فاشلاً إذا انتهى إلى نزاع وقطيعة، وتدابر ومكايدة وتجهيل وتخطئة.

الأصل الثامن:

الرضا والقبول بالنتائج التي يتوصل إليها المتحاورون، والالتزام الجادّ بها، وبما يترتب عليها.

وإذا لم يتحقق هذا الأصل كانت المناظرة ضرباً من العبث الذي يتنزه عنه العقلاء.

يقول ابن عقيل: (وليقبل كل واحد منهما من صاحبه الحجة؛ فإنه أنبل لقدره، وأعون على إدراك الحق وسلوك سبيل الصدق.

قال الشافعي رضي الله عنه: ما ناظرت أحداً فقبل مني الحجَّة إلا عظم في عيني، ولا ردَّها إلا سقط في عيني).

http://almajd.islamacademy.net/magazin/qutoof5/001.gif

آداب الحوار

1 - التزام القول الحسن، وتجنب منهج التحدي والإفحام:

إن من أهم ما يتوجه إليه المُحاور في حوار، التزام الحُسنى في القول والمجادلة، ففي محكم التنزيل: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَن} (الاسراء:53). {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن} (النحل: 125).

{وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} (البقرة:83).

فحق العاقل اللبيب طالب الحق، أن ينأى بنفسه عن أسلوب الطعن والتجريح والهزء والسخرية، وألوان الاحتقار والإثارة والاستفزاز.

ومن لطائف التوجيهات الإلهية لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم في هذا الباب، الانصراف عن التعنيف في الردّ على أهل الباطل، حيث قال الله لنبيه: {وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ) (68) اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} (الحج: 68 - 69).

وقوله: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} (سبأ:24). مع أن بطلانهم ظاهر، وحجتهم داحضة.

ويلحق بهذا الأصل: تجنب أسلوب التحدي والتعسف في الحديث، ويعتمد إيقاع الخصم في الإحراج، ولو كانت الحجة بينه والدليل دامغاً .. فإن كسب القلوب مقدم على كسب المواقف. وقد تُفْحِم الخصم ولكنك لا تقنعه، وقد تُسْكِته بحجة ولكنك لا تكسب تسليمه وإذعانه، وأسلوب التحدي يمنع التسليم، ولو وُجِدَت القناعة العقلية. والحرص على القلوب واستلال السخائم أهم وأولى عند المنصف العاقل من استكثار الأعداء واستكفاء الإناء. وإنك لتعلم أن إغلاظ القول، ورفع الصوت، وانتفاخ الأوداج، لا يولِّد إلا غيظاً وحقداً وحَنَقاً. ومن أجل هذا فليحرص المحاور؛ ألا يرفع صوته أكثر من الحاجة فهذا رعونة وإيذاء للنفس وللغير، ورفع الصوت لا يقوّي حجة ولا يجلب دليلاً ولا يقيم برهاناً؛ بل إن صاحب الصوت العالي لم يَعْلُ صوته – في الغالب – إلا لضعف حجته وقلة بضاعته، فيستر عجزه بالصراخ ويواري ضعفه بالعويل. وهدوء الصوت عنوان العقل والاتزان، والفكر المنظم والنقد الموضوعي، والثقة الواثقة.

على أن الإنسان قد يحتاج إلى التغيير من نبرات صوته حسب استدعاء المقام ونوع الأسلوب، لينسجم الصوت مع المقام والأسلوب، استفهامياً كان، أو تقريرياً أو إنكارياً أو تعجبياً، أو غير ذلك. مما يدفع الملل والسآمة، ويُعين على إيصال الفكرة، ويجدد التنبيه لدى المشاركين والمتابعين.

على أن هناك بعض الحالات الاستثنائية التي يسوغ فيها اللجوء إلى الإفحام وإسكات الطرف الآخر؛ وذلك فيما إذا استطال وتجاوز الحد، وطغى وظلم وعادى الحق، وكابر مكابرة بيِّنة، وفي مثل هذا جاءت الآية الكريمة:

{وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} (العنكبوت: 46).

{لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِم} (النساء: من الآية148)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير