تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[عمر بن الخطاب وخارطة الطريق]

ـ[تيسير الغول]ــــــــ[24 Jun 2010, 09:16 م]ـ

[عمر بن الخطاب وخارطة الطريق]

تعظيما لشعائر الله واستجابة لدعوة الحق سبحانه، عقدت العزم لشد الرحال الى بلاد الحجاز لاداء مناسك العمرة وزيارة مكة المكرمة التي شرفها الله تعالى من جبروت ابرهة وطغيان جيشه وبصفتي عربي اسكن في الشام حيث ان الرحلة ستكون كثيرة التفث عبر الصحراء الجافة المقفرة والتي توهن القانع وتضعف المعتر وتجعل الابل السمان ضوامر اخذت زادي وحمولتي وركبت جملي سائرا الى البيت العتيق.

في الطريق مررت بقبائل عربية شتى. فقد مررت بديار بني بكر وبني عبد الاشهل وبقبيلة بني مخزوم وبني عدي وعندما وصلت يثرب رايت خراب بني النضير ونخيل بني قينقاع ثم حط بنا المقام الى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فصلينا في مسجده وسلمنا على قبره الشريف حيث لبثتت في المسجد ثلاث ليال اصلي في رياض الجنة اطوف ليلا على بيوت الصحابة اشتم رائحتهم وآنس بجوارهم واتبرك بعطر ثراهم. وفي اخر يوم من ايام مكوثي في المدينة وقبل خروجي الى مكة ذهبت الى سوق المدينة فوجدته عامرا بالتجار والمتسوقين انواع التمور الكثيرة والتوابل المختلفة والاقط والقديد والحبوب بانواعها والخيول الاصيلة العائدة من غاراتها. ولكن الذي لفت انتباهي ان جميع من في السوق ينظر الي نظرة استغراب محفوفة بالخشية والحذر. فصرت اترقب انفاسي وامشي على استحياء وحذر. حتى وصلت الى شجرة كبيرة ينام تحتها رجل ضخم الجسم كث اللحية مستلقياً على ظهره، وبجانبه عصى غليظة. فسالت احد المارين: من هذا الرجل؟ فقال: انه امير المؤمنين. فتهلل وجهي فرحا وقلت في نفسي: لعلي اسعد بلقاء امير المؤمنين فاكون قد حصلت على فرحتين فرحة لقاء ربي في بيته العتيق وفرحة لقاء امير المؤمنين. فاقتربت منه لعلي ارى وجهه الذي طالما تمنيت ان اراه. ولكنه فجأة استيقظ من نومه فراني واقف فوق راسه فنظر الي نظرة مليئة بالاندهاش. ثم سالني قائلا: من انت؟ ولماذا انت حليق اللحية والشارب؟ ولم انت حاسر الراس غريب الهيئة والخلقة؟ هل انت من اهل فارس ام الروم؟ كل هذه الاسئلة انهالت علي فاحترت في الرد عليها بعد ان تلبك لساني الذي لا يستطيع حتى التكلم بالعربية الفصيحة التي اسمع. ولكنني لملمت نفسي وربطت جاشي واجبت وانا مقطوع النفس من شدة الخوف التي اعترتني وقلت: امير المؤمنين انا عربي مسلم من الشام. وما انا اكملت الإجابة حتى صاح في وجهي قائلاً: عربي مسلم وانت على هذه الهيئة الغريبة؟؟ ما الذي حل بكم في الشام حتى اصبحت هيئاتكم هكذا؟ أظنكم إن صدقت بكم فراستي قد رجعتم القهقرى وعدتم من حيث بداتم فركنتم الى الدنيا واصبحتم غثاء كغثاء السيل فتقاسمتكم الدنيا وقضت على شأفتكم الامم.اصدقني القول يا هذا اليس هذا صحيح؟ فقلت له: نعم ولكن ..... فقطع عليّ الكلام وقال: ولكن ماذا؟ أليس فيكم جند الكنانة والشام والسواد!!! اين احفاد خالد وعمر بن العاص وعبدالله بن رواحه الم نمهد لكم الطريق وفتحنا لكم البلاد طولا وعرضا؟ فلم تذهب بكم الايام حتى ضيعتموها فسلط الله عليكم الوهن وحب الدنيا؟ فوالله لاجعلنك عبرة للمعتبرين ومثالا للباقين. ثم هوى علي بدرته ضربا باليمين وهو يقول لا حول ولا قوة الا بالله اني ابرأ الى الله منكم ومن افعالكم. وانا اتوسل اليه قائلا: الرحمة يا امير المؤمنين ... لكنه لم يتوقف عن ضربي فحاولت ان اهرب من امامه فتعثرت قدماي ووقعت منكفئا على وجهي واذا بي اصحو من كابوس ثقيل وانا اتصبب عرقا حيث افقت وما زال صوت امير المؤمنين يدوي في اذني وهو يحوقل على امة وضعت سيوفها في القراب الى غير رجعة. افقت حيث كنت في قيلولة في المسجد النبوي الشريف فرايت في ام قلبي هذه الرؤية التي لاتحتاج الى تأويل ولا تعبير فاستغفرت الله تعالى وارتجعت اليه ثم تفقدت جيوبي فتاكدت اني مازلت احتفظ بجواز سفري العربي والذي تنتسب به عروبتي وكياني وعقالي والذي أيضاً بدونه لا استطيع أن أقطع فجا ولا واديا.

اما انت امير المؤمنين فالمعذرة كل المعذرة اليك، لانك رايت عرب القرن الحادي والعشرين بشخصي. المعذرة اليك على ما رسمت لنا من طرق فضيعناها وفتوحات ودماء فما رعيناها حق رعايتها. لن اذكر اسمك فاسمك اعلى واجل ان يذكر في صفحات جرائدنا الملوثة واحبارها المسمومة. يكفي انك امير المؤمنين. وكيف لا تكون للمؤمنين امير وكلهم امراء مؤمنين. لكنك اشدهم باسا واقومهم حجة وأحزمهم رأياً وعزماً وحلماً. لقد أضعنا مفتاح بيت المقدس الذي استلمته بيدك الشريفة وأحللت السلام بعهدتك العمرية وبنود خارطة طريقك التي وضعتها للناس والتي كان من أهم بنودها إخراج اليهود الأنجاس من القدس وعدم السماح لهم بدخولها تحت أي ظرف. ولكن والهف قلبي وأسفي. فقد عاد اليهود اليها من جديد وعاثوا فيها فساداً ودنسوا عتبة البيت وأحرقوا المنبر المحراب.

أحمد الله تعالى أنك لم تسألني عن كل ذلك يا أمير المؤمنين واكتفيت بضربي بدرتك الطاهرة العادلة، والتي افتقدناها في هذا الزمان الذي تغيرت فيه قواميس البشرية ونواميس الحياة.

عد الى قيلولتك يا أمير المؤمنين فقد أزعجنا رقودك بسخفنا وهواننا وضعفنا. فالمعذرة اليك مما نفعل ونفعل. وقرعيناً فقد عدلت فأمنت فنمت. والسلام عليك فقد طبت وحيا ميتاً ً.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير