[بين الهدلق وابن تيمية .. خطرات وتأملات، الهدلق يقول: " عن ابن تيمية أتحدث .. "]
ـ[أحمد بن موسى]ــــــــ[26 Jun 2010, 10:41 م]ـ
عن ابن تيميّة أَتحدّث ..
عبدالله بن عبدالعزيز الهدلق
مجلة الإسلام اليوم " رجب " 1431هـ
?
«هذا القلقُ المطّرد في الوضع السياسيّ الذي اختصر حكم السلاطين ولم يسمح لهم إلا نادراً بأن يموتوا حتف أنفهم؛ استتبع حالةً من القلقِ وعدمِ الاطمئنان تهدّدت رجال البلاط والحكومة جميعاً في أرواحهم وممتلكاتهم، مما لم تُستَهدف لمثله طبقةٌ حاكمةٌ من قبل إلا في أسوأ أيام الدولة الرّومانية.
فقد عجز الموظّفون ـ حتى أقدرهم ـ عن الاحتفاظ بمناصبهم أكثر من ثلاث سنواتٍ إلا في القليل النادر، وكم من قاضٍ أُسند إليه القضاء ثم عزل عنه عشر مرّات متواليات أو يزيد، ليس هذا فقط؛ بل لقد كان ثمة نفوذ فقهاء السنّة ورادعهم المعنوي، أولئك الفقهاء الذين لم يتورّعوا عن اضطهاد رجلٍ صالحٍ مؤمنٍ بالله أَصدق الإيمان وأَشدّه كابن تيمية الحنبليّ، لإحجامِه عن مجاراتهم في جميع ما ذهبوا إليه من رأي، ولمقاومتِه كثيراً من مظاهر التديّن لدى العامّة كعبادة الرّسل والأولياء .. ولئن كان معاصروه قد حاولوا قمعَ تعاليمه بالقوّة؛ فقد كُتب لها برغم ذلك أن تبقى حيّةً في دوائر أتباعه المحدودة، لتستمدَّ منها الحركةُ الوهابيّةُ حافزَها بعد أربعمئةٍ من السنين، ولتفيدَ منها حركةُ التجدّد الإسلامية في الجيل الحاضر». كارل بروكلمان، تاريخ الشعوب الإسلامية، ص 369.
إنه ليمرُّ بي اسمُ العالِم والعالِم فلا أكاد آبَه .. ثم يمرُّ ذكرُ ابنِ تيميّة فيأخذني شيءٌ لا أتبيّن مأتاه، رحم الله أبا العبّاس، فالكتابةُ عنه ضَرْبٌ شديدٌ من الوَعْي والمسؤولية؛ لأنه يحتاج إلى مقياسٍ خاص ..
هنا إحدى عشرة فقرةً هي حصيلة تأمّلٍ في شخصيّةِ هذا الإمام وتراثِه الضّخم، حاولتُ أن آتيَ فيها بجديد .. ونحن ما أحوجَنا بين الفينة والأخرى إلى أن نقلّب النظر كثيراً في منازع هذه العبقرية الفذّة، وإلى أن نُعمل الفكر طويلاً في اجتلاء هذا الإرث الذي امتنَّ الله به على عباده في هذه الأعصُر المتأخِّرة ..
* * *
1ـ كثيرٌ من تراثِ شيخ الإسلام ابن تيميّة لا يُبتدأ به؛ وإنما يُنتهى إليه ... فالعلوم يأخذ بعضُها بحُجَز بعض، فهي كدرجات السلّم كلّ واحدة تُسلم إلى أختها، ولعلّ مما أضرّ ببعض طلبة العلم؛ أن أحدهم يعلَق بسمعه أوَّلَ ما يسلك طريقَ العلم اسمُ هذا العَلَم الكبير، وما لتراثِه من الأهمية البالغة، فيغوص في عمقه وهو لمّا يتعلم السباحة على شاطئه بعد، فيؤذيه ذلك كثيراً ..
2ـ ليستْ هناك شخصيةٌ حيّةٌ حاضرةٌ في بناءِ عقل ابن تيمية ولا في تشكّل وجدانه، فلا تراه يقول: وكان شيخنا، ودخلت مرّة على فلان .. مما تراه فيما يذكره عنه ابن القيّم مثلاً، أو فيما يذكره كثيرٌ من الأعلام عن مشيختهم والآخذين عنهم .. لا أدري؛ لعلَّ الله سبحانه لما أن أعدّ هذا الإمام لما هو بسبيله من هذا التجديد؛ وعصرُه على ما هو عليه من السوء؛ هيّأَ له ألّا يتطامن عقلُه ولا وجدانُه لسلطان أحد من مشيخته المعاصرين، فجاء منه هذا العقلُ الحرُّ النزّاع إلى الحق، الرافضُ للتقليد الأعمى، وهذا الوجدان الصافي الذي اغتسل بماء الوحي النقيّ، فلم تكدّره تلك الأوضار التي كانت عالقةً بكثير من أنفس أهل عصره.
3ـ تمنّيتُ لو أن سيد قطب وعبد الوهاب المسيري ـ رحمهما الله ـ قد عرفا تراثَ ابن تيمية وأفادا منه، لا أكاد أجد له ذكراً ولا أثراً فيما كتباه .. لو كانا توافرا على تراثه؛ لرأيتَ نقلة رائعة في كتابات هذين الكبيرين، ولقرأتَ إضافة ثرية في فهم بعض نصوصه، وقراءةِ جوانب من شخصيّته.
4ـ رأيتُ ابنَ تيميّة في مداخل ردوده على أهل الفرق المخالفة، وأربابِ الأهواء المُضلّة؛ يبالغ كثيراً في عرض معارفه، وما يحسنُه من علوم هؤلاء .. أظنُّ أنه ـ رحمه الله ـ كان يمارس نوعاً من الإذلال المعرفيِّ لخصوم الوحي، كأنّه يقول لهم: هذا الذي تتحدّثون عنه وتأخذون في شأنه؛ لم نطّرحه جهلاً به، فنحن أعرف به منكم، لكنّنا آثرنا الوحي عليه.
¥