[أربع مسائل في الرضاع,,, الشيخ محمد المشيطي]
ـ[عبد الكريم آل عبد الله]ــــــــ[13 Jun 2010, 06:03 ص]ـ
مما يُحمدُ لطالب العلم بُعده عما يثير الناسَ وتستنكره أفهامُ العوام، لاسيما ما لا تدعو إليه الحاجة ولا تعم به البلوى وليس هو من ضرورات الدين.
وهذا من الحكمة التي تميزُ طالبَ العلم عن غيره، وهو مما دعا إليه سالِفو هذه الأمة وخيارُها، كما قال الإمامُ عليٌّ رضي الله عنه:
حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يُكذَّب اللهُ ورسولُه؟ رواه البخاري موصولاً.
وقال عبدُالله بن مسعود رضي الله عنه: ما أنت بمحدِّثٍ قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة. رواه مسلم في مقدمة صحيحه.
قال شيخُ الإسلام رحمه الله في درء تعارض العقل والنقل (4 - 82):
ومن المعلوم أنه في تفاصيل آيات القرآن من العلم والإيمان ما يتفاضل الناسُ فيه تفاضلاً لا ينضبط لنا، والقرآنُ الذي يقرأه الناسُ بالليل والنهار يتفاضلون في فهمه تفاضلاً عظيماً، وقد رفع اللهُ بعضَ الناس على بعضٍ درجات كما قال تعالى: ?يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ? بل من الأخبار ما إذا سمعه بعضُ الناس ضرَّهم ذلك، وآخرون عليهم أن يصدقوا بمضمون ذلك ويعلموه، فمثلُ هذه الأحاديث التي سُمعت من الرسول صلى الله عليه وسلم أو ممن سمعها منه وعلم أنه قالها يجب على من سمعها أن يصدق بمضمونها، وإذا فَهم المراد كان عليه معرفته والإيمانُ به، وآخرون لا يصلح لهم أن يسمعوها في كثيرٍ من الأحوال، وإن كانوا في حالٍ أخرى يصلح لهم سماعها ومعرفتها ا. هـ كلامه.
ولا يقل قائلٌ إن هذا من الصدع بالحق وبيانِه وإن ترتب عليه ما ترتب! ..
فإن هذا يكون فيما لابد من بيانه مما يترتب على تركه الفتنةُ وضياعُ الحق، أما إذا كان العكسُ فليس من هذا الباب، ولا يُحمد من أثار جدل الناس وأحدث بسببه فتنة.
وإن مما يتميز به العالمُ عن غيره كونه أفهمَ للنصوص الشرعية من ناحية الجمع بينها ومن ناحية الحكمة في تطبيقها، وإلا فلو كان الأمر مجرد قراءةٍ للنصوص لما كان للعالم على غيره فضل.
فإن قيل إن إخفاء ذلك هو من كتمان العلم الذي جاءت النصوصُ بذمِّ فاعله ..
قيل: نعم! جاءت النصوصُ الشرعية بالوعيد الشديد لمن كتم علماً، ولكن العلم الذي يحرم كتمُه هو ما تتوقف عليه معرفةُ الحلال والحرام مما حاجةُ الناس إليه ماسة، أو من أمور العقائد التي لا يسَعُهم جهلُها، أما كون العالم يسكتُ عما يُخشى من عواقبه لدى العوام بسبب قصور أفهامهم عنه مع عدم حاجة عمومهم إليه؛ فليس هو من كتمان العلم في شيء، بل دلت النصوص على أن هذا من الحكمة، فقال الإمامُ البخاري في صحيحه: باب من خص بالعلم قوماً دون قومٍ كراهية أن لا يفهموا، ثم روى بإسناده عن أنسٍ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ومعاذٌ رضي الله عنه رديفه على الرحل قال: يا معاذ بن جبل. قال: لبيك يا رسول الله وسعديك. قال: يا معاذ. قال: لبيك يا رسول الله وسعديك - ثلاثاً - قال: ما من أحدٍ يشهدُ أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صدقاً من قلبه إلا حرمه اللهُ على النار. قال يا رسول الله أفلا أخبر به الناس فيستبشروا؟ قال إذاً يتَّكلوا. وأخبر بها معاذٌ عند موته تأثماً.
قال ابن رجب رحمه الله فيما نقله عنه الحافظُ في الفتح (11 - 348):
قال العلماء: يؤخذ من منع معاذٍ من تبشير الناس لئلا يتكلوا أن أحاديث الرخص لا تشاع في عموم الناس لئلا يقصر فهمهم عن المراد بها ا. هـ
وقال البخاري رحمه الله:
باب من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهمُ بعض الناس عنه فيقعوا في أشد منه ..
ثم ساق بسنده عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا عائشةُ لولا قومك حديثٌ عهدهُم بكفرٍ لنقضت الكعبة فجعلت لها بابين بابٌ يَدخل الناسُ وبابٌ يخرجون» متفقٌ عليه، قال الحافظُ ابنُ حجر في فتح الباري (1 - 271):
¥