تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[دعوة القرآن العظيم والأنبياء للنظر العقلي في المخلوقات]

ـ[نزار حمادي]ــــــــ[28 Jun 2010, 01:21 م]ـ

? ? ? ?

الحمدُ لِلَّهِ الذي نبَّه العقول بآثار قدرته لتتوجَّه إليه متدبِّرة، ونصب لها أعلام صنعته لتُقبِل عليه متفكِّرة، وأجلسها على مِنَصّة الاستدلال لتطالع بدائع صُنعِه متبصِّرة، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد الذي صدع بالحق وأظهره، وأُرسِل إلى الكلِّ بأصل التوحيد وفَرْعِه فحلّ عقد الشِّرك ودمّره، وعلى آله وأصحابه حماة الدين ونَصَرَته.

أمّا بعد، فإنّ اللَّه عز وجل قد كرَّم الإنسانَ بالنطق والبيان، وفضّله بالعقل والعرفان، وجعل أحب العباد إليه، وأكرمهم عنده: العارفين بما يستحقه مولاهم عز وجل من أوصاف الجلال ونعوت الكمال، وبما أسداه إلى العباد من الإنعام والإفضال، وبما يستحيل عليه من العيوب والنقائص والتحوُّل والزوال، وبما يجوز له فِعْلُه من الأمر والنهي والوعظ والزجر والتبشير والإرسال والإهانة والإجلال.

ولا شك أنّ هذه المعرفة أصلٌ لكل خير، ومصدر لكل برّ، ومصرف لكل شرّ، ومع شرفها بنفسها وشرف متعلَّقها فهي مثمِرةٌ للإنسان جميعَ الخيرات العاجلة والآجلة، وذلك بما ينشأ له عنها من أحوال عَلِيَّة، وأقوال سَنِيَّة، وأفعال رَضِيَّة، ومراتب دنيوية، ودرجات أخروية.

ولَمَّا كانت الطاعات كلها مشروعة لإصلاح القلوب والأجساد، ولنفع العباد في العاجل والمعاد، وكان صلاح الأجساد موقوفًا على صلاح القلوب، وفسادها موقوفًا على فسادها، كما قال النبي الأكرم ?: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب ([1] ( http://www.tafsir.net/vb/#_ftn1))»، فإذا صلحت بالمعارف ومحاسن الأحوال والأعمال صلح الجسد كله بالطاعة والإذعان، وإذا فسدت بالجهالات ومساوئ الأحوال والأعمال فسد الجسد كله بالفسوق والعصيان، فلمّا كان الأمر كذلك أوجبَ اللهُ تعالى على كلِّ إنسان بالِغٍ عاقِلٍ معرفتَه عز وجل، فقال تعالى في كتابه المبين، آمرًا نبيَّه الكريم، وقاصدًا بالخطاب جميع المكلَّفين: ?? ? ? ? ? ?? [محمد: 19]، وقال عز وجل: ?ٹ ٹ ? ? ? ? ? ? ? ?? [هود: 14] وقال عز وجل: ?? ? ? ? ? ? ? ? [الذاريات: 56] أي: ليعرفون، كما قال أهل التفسير.

وقد بيّن العلماء القدر المطلوب شرعًا من معرفة الله عز وجل، ووَضَّحوا أنها تكون بمعرفة الأحكام العقلية الثلاثة في حقه تعالى: وهي معرفةُ ما يجب له تعالى من صفات الكمال، كما يشير إليه أمرُه تعالى: ?? ? ? ? ? ?? [البقرة: 209]، فقد أوجب عز وجل العلمَ بوجوب القدرة والإرادة والعلم له تعالى، ومعرفةُ ما يستحيل عليه تعالى من النقص الذي لا يليق بجلاله العديم المثال، كما أوجب تنزيهه عن ذلك في مثل قوله عز وجل: ?ں ? ? ? ? ? [الأعلى: 1]،ومعرفةُ ما يجوز في حقه عز وجل من عموم التصرف في جميع الممكنات، بلا حَجْرٍ ولا باعِثٍ ولا غرَضٍ في فِعل من الأفعال، كما يشير إليه نحو قوله تعالى: ?? ? ? ? ? ? ?? [النساء: 133].

وبمعرفة هذه الأحكام الثلاثة في حقه عز وجل يتميز للمكلَّف مولاهُ المعبودُ عن كل ما سواه؛ وذلك لاستحالة المشارَكة له عز وجل في شيء من تلك الأحكام، وبهذه المعرفة يتحرَّر الإنسان من استرقاق الكائنات له بما عرف من وجوب مساواتها له في عموم العجز والافتقار الضروري اللازم إلى اللَّه الواحد القهار؛ ? ? ہ ہ ہ ہ ھھ ھ ھ ے ے ? ? [فاطر: 15].

ولمّا كانت هذه المعرفة الشريفة لا تُدرَك _ عادةً _ على الوجه الصحيح الأكمل إلا بالتفكر والتأمّل والنظر السديد في آيات اللَّه عز وجل، والاستدلالُ عليها لا يكون إلا بالاعتبار في آثار قدرته عز وجل وشواهد صنعته ولطائف حكمته، أمَرَ تعالى في جملة وافرة من آيات كتابه العزيز بالتدبُّر والنظر وإعمال الفكر في عجائب المخلوقَاتِ للاستدلال بذلك على وجوبِ وجودِ خالقها عز وجل ووَحدانيته وكمَال ربوبيته، فقال تعالى: ? ژ ژ ڑ ڑ? [يونس: 101] قال الإمامُ الواحدي: «انظرُوا بالتفكر والاعتبار ماذا في السموات والأرض من الآيات والعِبَر التي تدل على وَحدانية الله ونفاذ قدرته، كالشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر، وكل هذا يقتضي مدبِّرًا لا يُشبِهُ الأشياءَ ولا تُشبِهُه» ([2] ( http://www.tafsir.net/vb/#_ftn2)).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير