تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

مهلاً على تركيّا

ـ[نعيمان]ــــــــ[10 Jun 2010, 11:01 م]ـ

المواطن العربيّ ظمآن، وهو دائم البحث عمّن وعمّا يطفئ ظمأه ولو قليلاً؛ وكلّما لاح في الأفق أمل أخذ يجري خلفه ملهوفاً مستنجداً هاتفاً مستصرخاً متضرعاً ألا يكون الأمل سراباً. المواطن العربيّ هو أشدّ النّاس إذلالاً في الأرض، ووعياّ بهذا الإذلال سواء كان مصدره داخليّاً أو خارجيّاً، وهو توّاق لأن يشعر بنوع من الكرامة، أو أن يحسّ بالهزيمة وقد فارقت مضجعه قليلاً فيهدأ كما يهدأ النّاس في بقاع الأرض. وكلّما دوّى في الأرض صوت يتعاطف مع العرب ولو من قبيل المجاملة اشرأبّت أعناق العرب وامتدّت أياديهم عسى في ذلك الصوت ما يخرجهم من بؤسهم وشقائهم.

تمسّكنا بالاتّحاد السوفييتّيّ سابقاً، ودائماً اتّخذناه، ليس جميعنا، البطل المنتظر الّذي سيهبّ لنجدتنا مع كلّ محنة. وهتفنا للرّئيس الأمريكيّ عندما وعد الفلسطينيّين بدولة، وأنزلنا الرّئيس الفرنسيّ شيراك منزلة الأولياء الصّالحين عندما زارنا وبجعبته إصرار على إقامة دولة فلسطينيّة.

أمّا شافيز فصوره موجودة الآن في بيوت عربيّة كثيرة، ومصنّف من قبل الكثيرين على أنّه بطل قوميّ عربيّ. والآن تتصدّر تركيذا المشهد، ويحتلّ رئيس وزرائها مكان الصّدارة في قائمة الأبطال الّذين سيسعفون المواطن العربيّ ويخرجوه من محنة الذّلّ المستعصية.

بين الأمل والتّمنّي

من الصّعب أن نجد عرباً من خارج دائرة العديد من الأنظمة العربيّة لا ينظر بإيجابيّة لمواقف تركيا من القضية الفلسطينية، ومن السياسات الصهيونية العدوانية ضد الشعب الفلسطيني وضد العرب عموما. ولا شك أن أن تركيا تتفوق في مواقفها على أغلب الأنظمة العربية، وعلى أعداد غفيرة من عشاق الهزيمة من الفلسطينيين الذين تطيب لهم المتع الأمريكية على حساب الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني. من الإنسان العادي الفقير الذي لا وقت لديه للانشغال بالسياسة حتى كبار المثقفين، تحظى تركيا بالتقدير والاحترام، ومواقفها بالهتاف والتصفيق. فقط هي الأنظمة العربية ومن دار حولها هم الذين يحتبسون أنفاسهم حنقا وغلا، وهؤلاء قد تصل نسبتهم إلى 10% في أحسن الأحوال.

لكن من الملاحظ من تعليقات الناس سواء في وسائل الإعلام أو في الشارع قد تخرج عن دائرة الأمل المتناسب مع قدرات وطاقات تركيا إلى حد المبالغة في التوقعات والتي قد لا تحتملها تركيا، على الأقل في وضعها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الحالي. هناك آمال كبيرة جدا معقودة على تركيا الآن لدى الشارع العربي، والشارع الفلسطيني على وجه الخصوص، تصل إلى حد التمنيات. كثير من الناس يرون في تركيا قوة عسكرية متطورة جدا تفوق قوة إسرائيل، ويرون فيها القدرة على ردع إسرائيل عسكريا ومعاقبتها، وبالتالي يرفعون سقف توقعاتهم.

المبالغة في التوقعات عمل خطير من ناحيتين تتمثلان بالإحباط المترتب إذا لم تتجسد التوقعات عمليا أمام الناس، وبمكانة تركيا في النفوس إذا لم تكن إجراءاتها على مستوى التوقعات. لقد سبق للعرب أن عقدوا آمالا كبيرة على قيادات ودول عربية وغير عربية، لكنهم لم يحصدوا إلا الخيبة والفشل ما أثر سلبيا على الوضع النفسي للناس وعلى رغباتهم في تقديم التضحيات من أجل تحقيق تطلعاتهم وآمالهم. لقد ظن العرب مع الزمن أن سواعدهم قد لا تكون ضرورية من أجل تحقيق الإنجازات، ورأوا في غيرهم من ينوب عنهم في تقديم التضحيات فغرقوا في المزيد من الهزائم. ولهذا من المهم جدا أن يقوم المثقفون ووسائل الإعلام بدورهم في توعية الناس حول ما يمكن أن تقدمه تركيا إذا كان لنا ألا نغرق ثانية فيما لا نرغب به.

تركيا دولة قوية ومهمة في المنطقة العربية الإسلامية، وشعبها هو شعبنا وهم أهلنا وأصدقاؤنا، وتربطنا بهم روابط دينية وتاريخية واجتماعيى واقتصادية، ونحن وإياهم كما ومختلف الجيران عبارة عن جسد يمكن أن يتكامل ويوفر العزة والكرامة والرفاه والتقدم لكل شعوب المنطقة. وتركيا تلعب دورا مهما وعظيما الآن بخاصة في غياب الدول العربية، أو في تورط العديد من أنظمة العرب في الحصار على غزة، وتشجيع سلطة رام الله على الاستمرار في تفاوض عبثي. لكن هذا لا يعني أن نحمل تركيا أكثر مما تحتمل، وأن نلقي عليها مسؤوليات أعظم من طاقاتها، وأن نطلب من شعبها مواجهة الأنظمة العربية بالنيابة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير