تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[النسر الداجن]

ـ[تيسير الغول]ــــــــ[30 May 2010, 12:32 م]ـ

[النسر الداجن]

يحكى أن أنثى النسر وضعت بيضتها في كن دجاجة ليلاً. ثم تركتها لتعود اليها في الصباح. إلا إن أنثى النسر ضلّت طريقها ونسيت أين باضت بيضتها. ولم تستطع أن تجدها رغم عنائها في البحث فيئست من أن تجدها وذهبت بحالها.

نظرت الدجاجة الى البيضة وضمتها الى بيضها ثم رقدت على جميع البيض أيام عديدة.

وحينما حان موعد التفقيس إذا ببيضة النسر يخرج منها نسر صغير. فنظر حوله وإذا به بين مجموعة من الكتاكيت الصغيرة. فعاش بينها وأخذ يلحق أمه مثله مثل أي كتكوت آخر. الى أن أصبح أكبر حجماً من أمه.

لم يفكر ذلك النسر بالطيران ولا بالتحليق لأنه عاش بين الدجاج لا يحسن شيء من هذه الصناعات. فاعتقد أنه لا يمكن له أن يطير.

وبينما هو ذات يوم يلتقط الحب مع الدجاج،إذ مرّ به سرب من النسور. فنظر لذلك السرب،فتعجب من نفسه قائلاً: إن تلك الطيور تشبهني الى حد كبير. ولكنها ماهرة بالطيران. فما بالي لا أستطيع الطيران؟.

وبينما هو يفكر بالتحليق والطيران. جاءت اليه أمه الدجاجة. فقالت له: ما بالك يا ولدي أراك مهموماً حزيناً؟ فقال النسر الصغير: ذلك السرب الذي مرّ آنفاً فهو يطير وأنا لا أطير فما سبب ذلك يا أماه؟ فقالت أمه: على رسلك يا بني دعك من الطيران والتحليق فإن ذلك لا يغنيك عن رزقك وطعامك لأننا يا ولدي نجد أقواتنا تحت أقدامنا. فلا حاجة لنا بطيران ولا تحليق فنحن معاشر الدجاج لا نستخدم أجنحتنا لنحلّق بعيداّ وإن هذا هو شأن أجدادنا من قبل فالعيش بأمان بين الحفر وبقايا الطعام خير لنا ألف مرّة من تحليق يهوي بصاحبه الى مكان سحيق. تعال يا بني وعد الى كنّك وعش سالماً معافىً خير لك من تلك المخاطر التي لم نألفها يوماً، لأنها لا تجلب الينا إلا المصائب والويلات.

عاد النسر الداجن الى كنه وهومطئطيء الرأس لعله يجد ما يأكله أثناء طريقه الى كنه. ولم يعد يفكر بالطيران أبداً وعاش بقية حياته بين الدجاج يأكل مما يأكلون منه ويشرب مما يشربون.

كثير هم أولئك الذين يتخلّون عن أساسيات حياتهم كما فعل ذلك النسر المسكين. وما أكثر في حياتنا ما يشبه قصة ذلك النسر الدجاجة الذي لم ير فعل أجداده ولا صولاتهم ولا بطولاتهم. بل إنه لم يعرف معنىً لتلك المسميات ولا تلك المصطلحات. نسور تعيش بين دجاج وأسود ترعى بين الغنم والحمير وأشباه نمور تعيش في مخابيء القطط وجحور السنانير. ليس ذلك تلاعب في الجينات الوراثية ولا هو تعديل على هندسة صفة الأنواع وليس هو أيضاً اعتداء على التسلسل الجيني الذي يضعف ويحد من الطباع والأخلاق. ليس شيء من ذلك أبداً ولكنها بيئة الترويض والتعويد والتدجين. بيئة الوداعة والسلم والرضى. الجناح في تلك البيئة ليس للطيران والتحليق ولكنه للتصفيق والطرب. والمنقار ليس إلا للتقاط الحب وتبادل القبل.أما المخالب فما هي إلا للبحث في الأرض وتنبيش القماقم. لا يجوز للدجاجة أن تكون جارحة معتدية. فإن فعلت واعتدت بمنقارها على أحد فسوف تصبح مشاكسة وسوف يتخلّص القطيع منها بسبب خروجها عن المألوف. وسوف يسُتحلّ دمها وريشها. وإن لحمها سيكون هدفاً للآكلين عقاباً لنقرها الشنيع واعتدائها الصارخ. وتأديباً وقرعاً لسائر القطيع.

إنها فعلاً دجاجة مشاكسة لم تنس أن النقر من وظائف المنقار. وأن المخلب الصلب يقارع الأشرار تعساً لها من دجاجة وتعساً لمصيرها الذي سيئول حتماً للذبح والشي بالنار.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير