تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[السلطة على الأوزان .. الوزن الجاهلي وعلم العروض]

ـ[عبد الحكيم عبد الرازق]ــــــــ[14 May 2010, 06:33 م]ـ

د. محمد تقي جون مثلما افتقر الشعر الجاهلي إلى المعاني العميقة، فانه افتقر إلى الوزن الصحيح، فقد وردت أشعار جاهلية سقيمة جداً وزناً وقافية؛ فمن جهة الوزن جاءت مرتبكة النغم غير تامة الوزن،

وهناك أشعار كثيرة تعاني هذا النقص كمعلقة عبيد بن الأبرص، ومثل هذه الأشعار أحسوا بعيبها وكانوا يسمونه الرمل أو التخليع ولكنهم لا يحدّون فيه شيئا سوى انه قبيح الوزن قد أفرط قائله في تزحيفه (1).

أما من جهة القافية فكثر عندهم من العيوب الإقواء والإكفاء والإيطاء والسناد (2)، ويرى فريق من العلماء أن هذه العيوب كانت معروفة عند العرب بمصطلحاتها. وقد ورد بعضها في أشعار الإسلاميين؛ فجاءت لفظة (السناد) في شعر ذي الرمة و (الإقواء) في شعر جرير، لكن الخليل يعترف بأنه من أطلق هذه المصطلحات، ولعل الخليل وضعها فعلا وهو ما يمليه المنطق برغم أن الشعر الأموي بلغ من النضوج ما جعل هذه العيوب الجاهلية محسوساً بها مشاراً إليها.

اشتق الخليل مفردات علم العروض من الخيمة الجاهلية، قال: "رتبتُ البيت من الشِّعر ترتيب البيت من بيوت العرب الشَّعَر، يريد الخباء" (3)، ولم يشتقها من حياة الحضارة التي عاشها لأنه كان في مواجهة بعض ما جاءت به هذه الحضارة وهو الأوزان والقوافي المستحدثة. وقد وضع الخليل مصطلحات هذا العلم وسمى بحوره، إلا أن بعض العلماء كالجاحظ وأبي عمرو بن العلاء حاول أن يرجع مصطلحات القافية إلى الجاهليين زاعما معرفتهم بها؛ ذكر أبو عمرو بن العلاء أن بشر بن أبي خازم الشاعر قال له أخوه سوادة، ولم يكن شاعراً: انك تقوي فقال بشر: وما الإقواء؟ فأنشده شعراً له ففطن له (4). والذي يرد هذه الرواية بقوة هو كيف عرف سوادة وهو ليس شاعراً عيباً شعرياً لم يعرفه بشر الشاعر!؟ وأكد ابن المحسن التنوخي أن العرب لم تعرف غير الروي وقد جاء في قول النابغة:

بحسبك أن تهاض بمحكماتٍ يمرّ بها الرويّ على لساني (5)

والقول الفصل في هذه القضية اعتراف الفراهيدي متحدثاً بضمير المتكلم: "سميتُ الإقواء ما جاء من المرفوع في الشعر والمخفوض على قافية واحدة…وإنما سميته إقواءً لتخالفه؛ لان العرب تقول: أقوى الفاتل إذا جاءت قوة من الحبل تخالف سائر القوى. قال: وسميت تغير ما قبل حرف الروي سناداً من مساندة بيت إلى بيت إذا كان كل واحد منهما ملقىً على صاحبه ليس مستوياً كهذا…قال: وسميت الإكفاء ما اضطراب حرف رويه، فجاء مرة نوناً، ومرة ميماً، ومرة لاماً؛ وتفعل العرب ذلك لقرب مخرج الميم من النون" (6). ويؤكد هذه الحقيقة أيضاً ما رواه المرزباني في مكان آخر عن الإكفاء "هو في شعر الأعراب كثير، وهو فيمن دون الفحول من الشعراء أكثر ولا يجوز لموّلد لأنهم عرفوا عيبه" (7).

أما أسماء البحور فقد ورد عن الجاهليين (الرجز) تمييزاً عن (القريض) وجاء اسم (الهزج) في حديث الوليد بن المغيرة في وصف القرآن الكريم، إلا انه لا يعني اسم بحر بعينه، بل هو تلحين أو طريقة إنشاد تصاحب السير الهادئ للناقة فإذا عدت عدواً سريعا تحول لحن الهزج إلى (السناد) وهو السريع الإيقاع (8). وعدا الرجز الذي أبقاه على اسمه؛ فان الخليل سمَّى كل بحور القريض؛ قال الأخفش سألت الخليل بعد أن عمل كتاب العروض، لم سميت الطويل طويلاً؟ قال: لأنه طال تمام أجزائه وسمي البسيط بسيطاً لانبساط أسبابه أي تواليها في مستهل تفعيلاته (9).

معالجة أخطاء الجاهليين:

وذكر المرزباني أن العرب كانت " تغني النَّصْبَ، وتمد أصواتها بالنشيد وتزن الشعر بالغناء قال حسان:

تغنَّ في كل شعرً أنت قائله إن الغناء لهذا الشعر مضمار (10)

والغناء يغطي عيوب الوزن والقافية معاً، وهذا جعل الزحاف يكاد لا يخلو منه بيت شعري وقد يصل إلى درجة قبيحة كقول عنترة:

ينباع من ذفري غضوب جَسْرة زيَّافة مثل الفنيقِ المكدمِ (11)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير