فأحسنت التدبير كل الإحسان فاستشارت رجال دولتها وبذلك ضمنت ولاءهم وطاعتهم لقراراتها، وأرسلت إلى سليمان # هدية تستجلب بها وده، فرفض الهدية وأصر على أن يصله منها ومن قومها الطاعة والإذعان، فكان عاقبة ذلك أن سارت بنفسها ومن معها إلى سليمان # في مدينة القدس، فذكرت الآيات القصة إلى أن قالت: {قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل:44]، فآل أمرها إلى هذه العاقبة الجميلة (اقرأ القصة في سورة النمل 23 ـ 44).
فأي ثناء أثناه الله تعالى على هذه الملكة وعلى النجاح الذي وصلت إليه بحنكتها ودهائها وحسن تقديرها للأمور، حيث استطاعت تجنيب قومها وبلادها من إفساد الجيوش الغازية وإذلالهم لقومها، ولهذا نقل ابن كثير في تفسيره عن قتادة قال: رحمها الله ورضي عنها ما كان أعقلها في إسلامها وفي شركها، يعني حيث أخرجت قومها من عبادة الشمس إلى عبادة الله تعالى.
هذا وإن في مشاركة المرأة في المجالس النيابية خيراً كثيراً من حيث مشاركتها في الشورى في الأمور العامة، خاصة وأنَّ النساء يلتفتن أكثر من الرجال إلى الأمور الخاصة بالبيوت والأسر والأطفال، وعلى مجلس الأمة قبل أن يتيح للنساء المشاركة في الترشيح والانتخاب أن يضع الضوابط الشرعية لمنع الانفلات المخالف للشرع قدر الإمكان، والله تعالى المسؤول أن يوفق العاملين لمصلحة البلاد إلى ما فيه خيرها وأن يجنبهم المزالق والأضرار.
فضل أبي بكرة وثناء العلماء عليه
أبو بكرة: هو نفيع بن الحارث، وقيل ابن مسروح الثقفي، تدلّى من حصن الطائف ببكرة، فقيل له أبو بكرة، واشتهر بها، وكان عبداً فأعتقه النبي * وعُدّ من مواليه، وكانت وفاته في خلافة معاوية سنة (52هـ)، وكل ما جاء من ثناء على الصحابة}، فأبو بكرة داخل فيه، وجاء عن جماعة من العلماء الثناء عليه على سبيل الخصوص، ومن ذلك:
1ـ قال الحسن البصري ~: ((لم ينزل البصرة من الصحابة ممن سكنها أفضل من عمران بن حصين وأبي بكرة)) (الاستيعاب مع الإصابة 4/ 24).
2 ـ وقال سعيد بن المسيب: ((وكان مثل النصل من العبادة حتى مات ~)) (الاستيعاب مع الإصابة 4/ 24).
3 ـ وقال أبو سلمة موسى بن إسماعيل التبوذكي: ((لم يسكن البصرة قط بعد عمران بن حصين أفضل من أبي بكرة، وكان أقول بالحق من عمران)) ذكره علاء الدين مغلطاي في (إكمال تهذيب الكمال 12/ 76).
4 ـ وقال ابن سعد في الطبقات (7/ 16): ((وكان رجلاً صالحاً ورعاً)).
5 ـ وقال ابن عبد البر وابن حجر: ((وكان من فضلاء الصحابة)) (الاستيعاب مع الإصابة: 4/ 24)، و (الإصابة: 6/ 252).
6 ـ وقال أبو الحسن العجلي: ((كان من خيار أصحاب النبي *)) ذكره المزي في ترجمته في (تهذيب الكمال).
7 ـ وقال النووي في تهذيب الأسماء واللغات: (1/ 198): ((وكان أبو بكرة من الفضلاء الصالحين، ولم يزل على كثرة العبادة حتى توفي)).
8 ـ وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء: (3/ 6):
((وكان من فقهاء الصحابة)).
9 ـ وقد قسم ابن القيم في إعلام الموقعين: (1/ 12) أئمة الفتوى من الصحابة إلى مكثرين ومتوسطين ومقلين، وذكر في المتوسطين في الفتوى أبا بكرة.
10 ـ وقال ابن كثير في (البداية والنهاية:11/ 249): ((وأما أبو بكرة، فصحابي جليل كبير القدر)).
11 ـ وقال يحيى بن أبي بكر العامري في الرياض المستطابة (ص:283): ((وكان أبو بكرة من ذوي المزايا من أصحاب رسول الله *)).
قبول العلماء مرويات أبي بكرة، وأنَّ ما حصل له لا تأثير له في روايته
أجمع علماء المسلمين سلفاً وخلفاً طيلة أربعة عشر قرناً وزيادة على قبول مرويات أبي بكرة، وأثبتها علماء الحديث في دواوين السّنّة، ومنهم الأئمة الستّة، البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه، وله في هذه الكتب الستة خمسة وخمسون حديثاً، ذكر أطرافها المزي في تحفة الأشراف من رقم (11654) إلى رقم (11708)، وله في مسند الإمام أحمد اثنان وخمسون ومائة حديث بالمكرر، من رقم (20373) إلى رقم (20524)، وقال النووي في تهذيب الأسماء واللغات (1/ 198):
¥