الله يقرأ عليه المعاملات المتنوعة في مصالح المسلمين فقال لي: ((رأيت البارحة أنني أقود بكرة وأنت تسوقها، وقد أوَّلت هذه البكرة بالجامعة الإسلامية))، والبكرة هي الشابة الفتية من الإبل، وقد سقت هذه البكرة وراءه رحمه الله مدة سنتين، وبعد انتقاله عن الجامعة قدتها أربع سنوات كاملة، وأما حياة الجامعة الجديدة التي زعمتها الصحفية في المدة التي بدأ فيها إضعاف الجامعة في مجال اختصاصها فهي في الحقيقة فترة شيخوخة وهرم وهي مما يُعزَّى عليه، وقد عايشت هذه الجامعة وأدركت في شبابي شبابها وقوتها، ثم أدركت في شيخوختي هرمها وضعفها، ولله الأمر من قبل ومن بعد، وإنه ليحزنني ويؤلمني كثيراً أن أرى جامعة أُسست على التقوى من أول يوم وتولى غراسها الشيخان الجليلان محمد بن إبراهيم وعبد العزيز بن باز رحمهما الله يؤول أمرها بعد نصف قرن على إنشائها إلى أن تكون في مهب الريح؛ فتعصف بها الأعاصير وتكون محل إعجاب المستغربين والتغريبيين والصحفيين بل وحتى الصحفيات اللاتي لا وجود لهن قبل عدة سنوات.
وأسأل الله عز وجل أن يوفق كل من له سلطة على الجامعة وعلى رأس الجميع خادم الحرمين حفظه الله للعمل على إبقائها قوية منيعة سالمة من الضعف والإضعاف.
ومن المناسب في هذه المناسبة أن أذكر شيئاً من الأعمال التي حصلت في الجامعة في فترة من فترات موتها المزعوم، وهي مدة ست سنوات كنت مسئولاً فيها في الجامعة مع الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله وبعده:
1): افتُتح قسم الدراسات العليا في الجامعة لمنح درجتي الماجستير والدكتوراه.
2): افتُتحت كليات القرآن الكريم والحديث الشريف واللغة العربية.
3): أُنشئت مطابع الجامعة.
4): طُبع في كل سنة من السنوات الست دليل للجامعة يحتوي على ذكر المعلومات المختلفة عن مناهجها ومدرسيها وطلابها وخرِّيجيها وأنشطتها وغير ذلك.
5): أُلقي في قاعة المحاضرات تسعون محاضرة تخدم رسالة الجامعة بواقع خمس عشرة محاضرة في كل سنة، طُبعت في ستة أجزاء.
6): طُبع كتاب: ((خرِّيجو الجامعة من عام 1384هـ إلى عام 1396)).
7): أُعد مخطط علمي (أكاديمي) للجامعة ينتهي فيه عدد طلابها إلى عشرين ألف طالب قام بإعداده مؤسسة وأُنفق عليه مليونان ونصف مليون ريال.
8): عُقد المؤتمر العالمي لتوجيه الدعوة وإعداد الدعاة في 24 ــ 29 صفر 1397هـ حضره أعداد كبيرة ينتمون إلى سبعين دولة، واستُصدرت الموافقة السامية على عقد المؤتمر الثاني لتوجيه الدعوة وإعداد الدعاة، ومؤتمر مكافحة المخدرات والمسكرات وتمَّ عقدهما فيما بعد.
9): طُبع عن طريق مركز الدعوة في الجامعة الذي أُطلق عليه فيما بعد عمادة خدمة المجتمع رسائل كثيرة للدعوة في داخل البلاد وخارجها، وطبعت الجامعة في المغرب عن طريق الملحق الديني الأستاذ محمد بن عبد السلام رحمه الله أربع رسائل طبع من كلٍّ منها خمسون ألف نسخة تم توزيعها في المغرب والجزائر، وذلك إثر فَقْد كمية من كتاب: ((شرح العقيدة الواسطية)) للهراس مرسلة إلى الدكتور محمد تقي الدين الهلالي رحمه الله، فطبعت الجامعة هذه الكمية من هذا الكتاب وغيره في المغرب.
10): اُنتدب بعض المدرسين في الجامعة إلى بعض الجهات التي توجد فيها المخطوطات خارج المملكة لتصويرها وإيداعها في قسم المخطوطات التابع للمكتبة المركزية في الجامعة، وأُحضر منها أعداد كبيرة استفاد منها الطلاب والباحثون، ومما هو جدير بالذكر أنه يوجد في المكتبة المحمودية في المدينة نسخة خطية مسندة لكتاب: ((المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية)) لابن حجر رحمه الله أرادت الجامعة تصويرها فلم يمكن ذلك لتكسر أوراقها من البلى، وعند ذهاب بعض المدرسين لتصوير المخطوطات في الهند وجدوا نسخة منقولة من هذه النسخة في عام 1351هـ محفوظة في المكتبة العمرية بجامعة دار السلام بعمر آباد مدراس، فأحضروا صورة عنها إلى قسم المخطوطات في الجامعة.
وقدوتي فيما ذكرته ــ هنا بمناسبة الحياة والممات للجامعة في حوار الصحفية ــ رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال للأنصار في غزوة حنين: ((يا معشر الأنصار! ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي؟! وكنتم متفرقين فألفكم الله بي؟! وكنتم عالة فأغناكم الله بي؟!)) من حديث رواه البخاري (4330) ومسلم (2446) وذكر الحافظ ابن حجرفي الفتح (8/ 52) من فوائد هذا الحديث ((إقامة الحجة على الخصم وإفحامه بالحق عند الحاجة إليه))، وقال ابن دقيق العيد في شرح هذا الحديث في كتابه إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (3/ 309): ((وفي الحديث دليل على إقامة الحجة عند الحاجة إليها على الخصم)).
وقد أوصيتُ في عام 1418هـ، أن تكون مكتبتي الخاصة ضمن محتويات المكتبة المركزية بالجامعة وتجعل في موضع خاص بها.
وإن مما يؤسف له أن جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية قد أصيبت بمثل ما أصيبت به الجامعة الإسلامية، وهي جامعة عريقة في هذه البلاد تخرّج أول فوج منها عام 1376هـ، ومنهم الشيخ عبد الله الغديان رحمه الله، والغالبية العظمى من القضاة والمشتغلين بالعلم في هذه البلاد هم من خريجي هذه الجامعة.
وكل راع مسئول عما استرعاه الله عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع ومسئول عن رعيته)) الحديث رواه البخاري (893) ومسلم (4742).
وأسأل الله عز وجل أن يوفق كل مسئول في هذه البلاد ــ عظمت مسؤوليته أو صغرت ــ وعلى رأس الجميع خادم الحرمين الملك عبد الله حفظه الله للقيام بمسئوليته على الوجه الذي يرضي الله عز وجل وينفع عباده وتبرأ به الذمة إنه سميع مجيب.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
20/ 6/1431هـ،
عبد المحسن بن حمد العباد البدر