تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

1 - الآثار الدنيوية: وذلك بما يظهر على المساير من فقدان الهوية وذوبان الشخصية الإسلامية، وبما يتكبده من معاناة في جسده ونفسه وماله وولده، وهذه كلها مصادر عنت وشقاء وتعاسة بخلاف المستسلم لشرع الله ـ عز وجل ـ الرافض لما سواه المنجذب إلى الآخرة فلا تجده إلا سعيداً قانعاً مطمئناً ينظر: ماذا يرضي ربه فيفعله، وماذا يسخطه فيتركه غير مبالٍ برضى الناس أو سخطهم.

2 - الآثار الدينية: وهذه أخطر من سابقتها؛ وذلك أن المساير لواقع الناس المخالف لشرع الله عز وجل يتحول بمضيِّ الوقت واستمراء المعصية إلى أن يألفها ويرضى بها ويختفي من القلب إنكارها، وما وراء ذلك من الإيمان حبة خردل. كما أن المساير لركب المخالفين لأمر الله عز وجل لا تقف به الحال عند حد معين من المسايرة والتنازل والتسليم للواقع، بل إنه ينزل في مسايرته خطوة خطوة؛ وكل معصية تساير فيها الناس تقود إلى معصية أخرى؛ وهكذا حتى يظلم القلب ويصيبه الران ـ أعاذنا الله من ذلك ـ؛ ذلك أن من عقوبة المعصية معصية بعدها، ومن ثواب الحسنة حسنة بعدها؛ وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى (18): "وقد ذكر في غير موضع من القرآن ما يبين أن الحسنة الثانية قد تكون من ثواب الأولى، وكذلك السيئة الثانية قد تكون من عقوبة الأولى، قال تعالى: ((ولَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وأَشَدَّ تَثْبِيتاً (66) وإذاً لآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْراً عَظِيماً (67) ولَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً)) [النساء: 66 - 68] وقال تعالى: ((والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا)) [العنكبوت: 69] وقال تعالى: ((والَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ ويُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) ويُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ)) [محمد: 4 - 6]، وقال تعالى: ((ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوء)) [الروم: 10]، وقال تعالى: ((كِتَابٌ مُّبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ)) [المائدة: 15، 16]، وقال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ ويَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ ويَغْفِرْ لَكُمْ)) [الحديد: 28]، وقال تعالى: ((وفِي نُسْخَتِهَا هُدًى ورَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ)) [الأعراف: 154].

وما أجمل ما قاله سيد قطب ـ رحمه الله تعالى ـ في النقل السابق حيث قال: "ولكن الانحراف الطفيف في أول الطريق ينتهي إلى الانحراف الكامل في نهاية الطريق، وصاحب الدعوة الذي يقبل التسليم في جزء منها ـ ولو يسيراً ـ لا يملك أن يقف عندما سلَّم به أول مرة؛ لأن استعداده للتسليم يتزايد كلما رجع خطوة إلى الوراء".

3 - الآثار الدعوية:

إن الداعية الذي تظهر عليه مظاهر مسايرة الواقع يفقد مصداقيته عند نفسه وعند الناس، وإن لم يتدارك نفسه فقد ييأس ويخسر ويترك الدعوة وأهلها؛ إذ كيف يساير الواقع من هو مطالب بتغيير الواقع وتسييره؟! وكلما كثر المسايرون كثر اليائسون والمتساقطون؛ وهذا بدوره يؤدي إلى ضعف الدعوة وضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

سبل النجاة أو الوقاية من هذه الفتنة:

إنه لا ينجِّي من الفتن صغيرها وكبيرها ما ظهر منها وما بطن إلا الله عز وجل وقد قال لنبيه ومصطفاه صلى الله عليه وسلم: ((ولَوْلا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً)) [الإسراء: 74] فأول سبيل من سبل النجاة هو سؤال الله ـ عز وجل ـ وصدق العزيمة والأخذ بأسباب الثبات ومنها:

1 - فعل الطاعات وامتثال الأوامر واجتناب النواهي كما قال ـ عز وجل ـ: ((ولَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وأَشَدَّ تَثْبِيتاً)) [النساء: 66] فذكر ـ سبحانه ـ في هذه الآية أن شدة التثبيت تكون لمن قام بفعل ما يوعظ به من فعل الأوامر وترك النواهي، ويشير الإمام ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ إلى أثر الطاعة في الثبات فيقول: "فالخلق كلهم قسمان: موفق بالتثبيت، ومخذول بترك التثبيت. ومادة التثبيت وأصله ومنشؤه من القول الثابت وفعل ما أُمِر به العبد، فبهما يثبِّت الله عبده؛ فكل ما كان أثبت

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير