تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثم إن الغرور يقطع على صاحبه طريق الأوبة إلى الحق، ويهون عليه الاستمرار في الباطل، مع علمه بأنه باطل. أما المتواضع الذي يعرف قدر نفسه، فأسهل شيء عليه أن يقول: أخطأتُ في كذا، وأنا عنه راجع من ساعتي هذه!

...

والغرور عند المنتسبين إلى العلم ليس من مبتدعات هذا العصر الذي نحن فيه، فقد كان موجودا – على قلة – عند بعض المتقدمين. ودليل وجوده كثرة إنكار العلماء الربانيين على أهله، وما كانوا لينكروا أمرا لا وجود له في الواقع.

لكن ما أتى هذا العصر حتى اتسع الخرق على الراقع، فازداد الغرور بمقدار ما نقص من العلم.

وأكثر ما ضخم هذه الظاهرة في عصرنا، تلك الشهادات الأكاديمية التي تمجّها الجامعات الإسلامية (الدكتوراه فما دونها). وهي شهادات تحمل – في الغالب - على كثير من الكبر، وتصرف عن كثير من التعلم.

وصاحب الشهادة الجامعية – إن كان لم يأخذ علمَه إلا من الجامعة - من أسرع الناس تساقطا في مهاوي الغرور، لا ينقذه منه إلا أن يبادر إلى نهل العلم من مصادره الأصيلة. لكنه إن لم يفعل، غلبه ما شحن به ذهنه خلال دراسته الجامعية من السطحية التي تلامس عناوين المسائل، ولا تخوض في غمار التفصيلات العلمية الدقيقة، التي تنمي الملكة العلمية الراسخة.

والنتيجة الحتمية لهذه السطحية في التحمل، أن الطالب – الذي سرعان ما صار أستاذا يشار إليه بالبنان – يتعامل مع كل المسائل العلمية التي تواجهه بسطحية في الأداء أيضا.

فإن أشكل عليه أمر فزع إلى المقاصد الكبرى، والمصالح العامة، وإلى نتف من هنا وهناك، وشذرات عامة يجمّعها من كل حدب وصوب، وينثرها كيفما اتفق.

...

وصاحبنا المغرور له في كل فن حيلة يجعلها شعارا لكلامه ودثارا، فتغنيه عن كثير من العلم، وتظهره – عند الأغمار والعوام - في صورة المحقق المتمكن!

فإذا أعياه تفسير آية من كتاب الله تعالى، لم يعسر عليه أن يقول: يبدو لي أن المعنى كذا. فإن ظهر أنه خالف إجماع المفسرين قال بلهجة الواثق: كلام المفسرين ليس وحيا منزلا، وقد جدّت أمور وأوضاع، فلنا أن نقول كما قالوا، ونرى كما رأوا!

وإذا خالف هواه حديثا من أحاديث البشير النذير صلى الله عليه وسلم، فزع إلى تضعيفه بكلام تستحي العنكبوت أن تنسج مثله. ثم احتمى ببعض الدعاوى العريضة التي تجعل له مخرجا من الدهليز الذي دلف إليه.

وإذا اعترضته مسألة فقهية أو فتوى شرعية، أغناه عن تكلّف بحثها تفصيلا، الاتكاء على مقاصد الشريعة كما يفهمها، ونظرية المصالح والمفاسد كما يتصورها. وإن عصمه الله بشيء من الورع، تفكر قليلا، ثم قال بلهجة من أحاط بالمسألة من كل جوانبها: (في المسألة خلاف!).

وإذا أشكلت عليه دقائق علم النحو والصرف، قال: (ما لنا وللخليل وسيبويه؟! فلنرجع إلى الظواهر اللغوية الأصلية لنجدد هذا العلم .. ). فكأن نحاة العربية كانوا يرجعون في تأصيل قواعدهم إلى دراسة ظواهر الألمانية أو الروسية!

وإذا صعب عليه فهم مسألة بلاغية، قال: (اتركونا من عجمة المتأخرين، وأرجعونا إلى فصاحة الأوائل). ثم ما هو من أهل الأولى ولا الثانية!

وإذا عسر عليه شيء من علم العروض والقوافي، قال: (ما أثقله من علم! وما أسمجها من مصطلحات! علينا تجديد هذا الفن، وإلغاء تعقيدات الخليل ومن شايعه .. ).

وهكذا قل في سائر الفنون: دعاوى ووصايا تخفي جهلا وكبرا.

...

هكذا حال كثير من هؤلاء المتكبرين المنتسبين إلى العلوم الشرعية.

دخلوا الميدان من غير بابه، فاختلطت عليهم الأمور، وصاروا يخبطون في العلم خبط عشواء. وقصارى جهد الواحد منهم أن يقول:

- لست ملزما بقول الإمام الفلاني ..

- ولي عقل حر، يمكنني من أن آخذ ما أشاء، وأدع ما أشاء ..

- ولا تحجر على تفكيري، فلست من المقلدين

وإذا ذكر أمامه السلف والأئمة المتقدمون قال:

(هم رجال .. ونحن رجال).

ونحن نقول:

أما الأولى، فلا شك في صحتها ..

وأما الثانية، فما أبعدها عن الصواب.

البشير عصام

7 رجب 1431

المصدر:هم رجال ونحن رجال! ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=214660)

ـ[تيسير الغول]ــــــــ[02 Jul 2010, 10:24 م]ـ

لا والله ليسوا سواء. هم خير القرون ونحن في أرذلها. استقوا علمهم من سيد العالمين. ونحن نقتتل على سنن الوضوء. كانوا لا يقولون إلا حقاً ونحن يحيطنا الضلال والإذلال والأرذال والإعلال والأغلال في أعناقنا وذلّ السؤال. من هذا المستعلي الذي يقول هذا الهُزال ليسوا سواءً ورب ربات الحجال.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير