تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويقول أيضاً: تخيل أنك في الصف الثاني الابتدائي، ثم تخيل جستن ( Justin) ذو السنوات الست جالس في آخر الصف، والمعلمة امرأة تتكلم بنبرة مناسبة بالنسبة لها، جستن لا يكاد يسمعها، يبدأ في النظر من النافذة، أو يراقب ذبابة تسير في سقف الفصل، تلاحظ المعلمة أن جستن غير منتبه .. تتكرر القصة، فتظن المعلمة أنه ربما يكون مصاباً باضطراب العجز عن التركيز! المعلمة مصيبة تماماً في وصمه بالعجز عن التركيز، لكن ليس السبب هو هذا المرض. لكنه صوت المعلمة الهادئ الناعم الذي يناسبها، ويفلح في شد بنات جنسها، بينما ينام أغلب الأولاد الذين يجلسون في الخلف [4].

قال ساكس: في إحدى المرات بعدما فحصت أحد الأولاد وكتبت توصيتي قالت لي الأم: إن المدرسة نصحتهم باستشارة طبيب آخر، "ليس لأننا لا نثق فيك يا دكتور، لكن فقط لأن المدرسة تطلب استشارة من خبير"، عندها فهمت أن الأطباء الذين تصنفهم تلك المدرسة في عداد الخبراء، هم فقط من يكتبون الوصفات الطبية دائماً! دفعني الفضول لأعرف ما إذا كانت تجربتي هذه متكررة أم لا، فأخذت تمويلاً من الأكاديمية الأمريكية لأطباء الأسرة، لإجراء مسح يشمل كل عيادات منطقة واشنطن. كنا نسأل سؤالاً بسيطاً: من هو أول من يشخص اضطراب العجز عن التركيز؟

الإجابة: أغلب حالات الاشتباه بالإصابة بالمرض ينبه إليها المعلم، ليس الوالدين، ولا الجيران، ولا الطبيب [5]!

لقد أثبت المختصون وجود اختلاف بين الأبناء والبنات في استجابة الدماغ السمعية، المتفرعة عنها القدرة على السمع، فبنت عمرها سبع سنوات، تميز أصواتاًأخفت من الأصوات الضعيفة التي ينتهي إليها تمييز ولد في عمرها نفسه، وباستخدام أجهزة اختبارات صوتية عالية النوعية، وجدوا أن إحساس البنات بالأصوات، أفضل من استشعار البنين لها بضعفين وربما ارتفعت نسبة إدراك المسموعات لدى بعضهن عن بعض البنين إلى أربعة أضعاف، وذلك في نطاق الترددات المهمة لتمييز الكلام -حوالي أربعة ألاف تردد في الثانية (4 KHz)- وقد أدرك المختصون هذه النتيجة قبل قرابة نصف قرن [6]، ثم أكدتها دراسات حديثة [7]، ووجدت بعض الدراسات الحديثة أن قدرة بعض البنات على السمع في سن الثانية عشرة تفوق قدرة البنين في نفس تلك السن بنسبة قد تصل إلى سبعة أضعاف [8].

بل أشارت الأخصائية النفسية كولن أليوت ( Colin Elliot)، إلى أن البنت في الحادية عشرة من عمرها يشتت ذهنها صوت أخفض بعشرة أضعاف مرة من الصوت الذي يشتت ذهن البنين، فإذا نقر طالب الدرج بأطراف أصابعه فلن ينزعج أو يزعج زملاءه، لكن ستنزعج المعلمة وسوف تنزعج الطالبات.

ويبين أثر التمايز السمعي لدى الجنسين على العملية التعليمية الدكتور ليونارد ساكس فيقول: الاختلافات الأساسية في القدرة السمعية بين البنين والبنات، تدخل ضمن أهم ممارسات التدريس. فإذا كانت بالقاعة المختلطة أستاذة، فإنها سوف تتكلم بصوت يبدو عادياً بالنسبة لها، ولن تلحظ أن صوتها لا يشد انتباه البنين هناك في آخر القاعة كثيراً. وبالمقابل إذا كان في القاعة أستاذ فسوف يتكلم بنبرة يراها مناسبة، بينما قد تراها الطالبات في الصف الأمامي أقرب إلى الصراخ فيهن!

ثم اقترح حلاً مبسطاً لهذا الإشكال بأن يجلس البنات في الخلف ويجلس البنين في المقاعد الأمامية [9].

غير أن هذا الحل وإن عالج مشكلة السمع، فلن يعالج مشاكل أخرى بعضها شائع في زماننا كقصر النظر أو طوله، وكذلك الحركة الدائبة التي يُطَالَبُ بها الأستاذ في نظم التعليم الحديثة لجذب انتباه الطلاب، وقد تقتضيها حالة التدريس في القاعة أو المعمل.

ثم لك أن تتصور اثنين أحدهما يفوق سمعه سمع الآخر ببضعة أضعاف، كيف سيكون حال أحدهما تجاه الآخر لو قام أحدهما فخاطب الأستاذ أو خاطبه الأستاذ؟ وقد أبانت بعض الدراسات بأن الطالبات قد تصرف انتباههن أصوات ضوضاء في مستويات منخفضة ربما لم تشغل عشرة أضعافها الأولاد [10]. فإذا كان هذا هو الحال في قاعات الدراسة فكيف ستكون الحال داخل المعامل والأنشطة التي تتطلب حركة وعملاً تقوم به مجموعات؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير