والجدير بالتأمُّل أن الدكتور مصطفى السباعي - رحمه الله تعالى - شهد أن أبا ريَّة كان أفحش وأسوأ أدباً من كل مِنْ تكلَّم في حق أبي هريرة ـ - رضي الله عنه - ـ من المعتزلة والرافضة والمستشرقين قديماً وحديثاً [4]، وصدق - رحمه الله تعالى - في ما ذهب إليه؛ فكثير من هؤلاء المتطاولين بلغوا من سوء الأدب والفجور الفكري ما تجاوزوا فيه أسيادهم المستشرقين، خاصة في بعض مواقع الإنترنت التي يتستر فيها بعضهم بأسماء رمزية.
وإذا كان أبرز المستشرقين (قد جعلوا من أنفسهم فريسة التحزب غير العلمي في كتاباتهم عن الإسلام) كما وصفهم الكاتب النمساوي المسلم محمد أسد [5]، فإن بعض مقلديهم من المستشرقين الجدد أضافوا إلى غياب تلك الموضوعية جهلاً ذريعاً في تراث الأمة وأصولها العلمية، وحقداً متجذراً على علماء الأمة وتاريخها الحضاري.
إذاً نحن أمام ظاهرة يجب الوقوف عندها؛ فعجلة التغيير الاجتماعي والفكري تتسارع بشكل مذهل في مجتمعاتنا، وخطابُنا العلمي والدعوي يتغير ويزداد نضجاً، ولكن ذلك يجري ببطئٍ واضحٍ يقصر عن متابعة الواقع في بعض الأحيان.
إننا أمام نازلة تتطلب أفقاً جديداً من العلماء والدعاة، ومن المعالم المهمة التي ينبغي مراعاتها:
أولاً: تربية الأمة على تعظيم النصوص الشرعية، والاستسلام التام لها، وعدم التقدم بين يديها برأي أو اعتراض، وأحسب أن كثيراً من الجنوح والاضطراب الفكري الذي يدفع الشباب إلى التبعية والاستلاب سببه الرئيس هجران النصوص والإعراض عنها.
ثانياً: تحصين الفتيان والفتيات بالعلم النافع الذي يبني اليقين، ويزيل غشاوة الشبهات ونزوات الأهواء. ويتطلب ذلك عناية بالخطاب الشرعي الذي يعلي من شأن العلم والمعرفة، ويرتكز على أساس الحجة والبرهان.
ثالثاً: استخدام الأدوات المعرفية والتقنية الحديثة لمخاطبة الشباب باللغة التي يفهمونها ويتفاعلون معها. ويتطلب ذلك قدرة فائقة على تفهُّم مشكلاتهم واستيعاب التحديات التي تواجههم، بشكل يتجاوز الحواجز النفسية والزمنية التي قد تفصل العلماء والدعاة عنهم.
رابعاً: هذه النازلة تتطلب فريقاً من المتخصصين الأكفياء الذين يتقنون الأدوات الفكرية والمنهجية في الحوار، ويتصدون للاحتساب العلمي على أولئك المستشرقين بعلم وعدل.
وقد يكون تقصيرنا في إعداد هذا الفريق من أسباب انتشار ذلك الباطل وكثرة من يتأثر بهم من الشباب.
خامساً: ترسيخ قيم التدين والعبادة والخوف من الله، - تعالى -: إن الحقيقة التي نلمس بعض مظاهرها أن ضعف التدين وقلة الخوف من الله - عز وجل - تجعل عقل الإنسان بيئة خصبة للقلق الفكري والانحراف عن جادة الصراط المستقيم، وتجعل قلمه ولسانه يخوض في ما لا يُحسِن، ويتطاول بحثاً عن التصدر والأضواء، وصدق المولى - جل وعلا -: وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ. [الزخرف: 63 - 73]
_______
[1] مدخل إلى القرآن الكريم، الجزء الأول في التعريف بالقرآن (ص 238)، طبع دار النشر المغربية، الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2006م.
[2] يعني: أنه قد توجد أدلة محتمَلة على الزيادة والنقصان؛ وهذا أسلوب خطير لإثارة الشكوك وترويج الشبهات.
[3] مدخل إلى القرآن الكريم، الجزء الأول في التعريف بالقرآن، (ص210).
[4] السُّنة ومكانتها في التشريع، (ص320).
[5] الإسلام على مفترق الطرق، (ص50).