والهزيمة تولد في الأمم الإحباط، وتغير سياستهم من الهجوم إلى الدفاع، والتقاعس عن القتال، والأمة الإسلامية التي أنزل الله عليها كتابه، وألزمهم بتبليغ رسالته إلى الناس، وأمرهم بالجهاد من أجل ذلك، وجعل أجر الشهيد الفوز بالجنة، فإن الأمة ستلاقي في مواضع كثيرة مثل ما لاقوه في أحد، وأشد من ذلك ودون ذلك، فعليهم ألا ينصرفوا عن القتال، وقطع الجهاد لمصيبة تصيبهم في الحرب أو هزيمة، ويجب عليهم مواصلة الجهاد في سبيل الله مهما فاتهم من غنائم أو أصابتهم من مصيبة.
وللمعنى الذي أراده تعالى، وحكمته التي أرادها في هزيمة المسلمين، وكان بقدرته منع ذلك؛ جعل من تلك الحادثة منهاجًا للمسلمين في الحرب على مر العصور؛ فكتبت (لكيلا) موصولة لتكون صورة لتواصل الجهاد وعدم قطعه مهما كانت نتائجه.
وكان عدم الأخذ بما هذه الآية بعد معركة بلاط الشهداء؛ اختفاء الإسلام بعد زمن من أرض الأندلس.
ووصلت في قوله تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا ءاتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23) الحديد
يبين الله تعالى في هذه الآيات أن ما يناله الإنسان من خير، أو يصيبه من مصيبة؛ قد كتب عليه من أن قبل أن يخلقه، وأنه لم يحدث له شيء إلا بعلمه سبحانه وتعالى.
وأن الله سبحانه وتعالى لم يخلق الإنسان إلا لعبادته؛ فلا يقطع عبادته لله تعالى إن أصابته مصيبة؛ فييأس، ويتقاعس عن العمل، أو يكفر بالله لأنه حرمه من خير الدنيا وأصابه بالمشقة فيها، وكذلك لا يبطر ويفسد في الأرض إن كثر الخير بين يديه، وليكن كما قال عليه الصلاة والسلام: (عجبت لأمر المؤمن فأمره كل خير إن أصابته ضراء صبر وإن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له).
وعلى ذلك كتبت (لكيلا) موصولة على ما يريده الله تعالى من مواصلة العبادة له في الضراء والسراء.
ووصلت في قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ الَّاتِي ءاتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ الَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (50) الأحزاب
محمد صلى الله عليه وسلم نبي هذه الأمة وإمامها ومعلمها؛ فهو أول من طبق أحكام الله فيها، وقد فرض الله له بعض الأحكام الخاصة به في ظاهرها، وفي طياتها إعانة من الله له في تبليغ رسالته، وتطبيق أحكامه؛ كإحلال الله له التزوج بأكثر من أربع نساء، وكان في زواجه من كل واحدة له أسبابه الخاصة به.
وقد بين تعالى في بداية السورة أن النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم فهو وليهم ذكورًا وإناثا، وكبارًا وصغارًا، وبين تعالى في هذه الآية حكمًا لولا سبق بيانه للأمة؛ لكان للمنافقين والمرجفين، والذين في قلوبهم مرض حديث يخوضون فيه، وهذا الحكم هو زواج النبي صلى الله عليه وسلم ممن تعرض نفسها عليه لتكون زوجًا له، إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة له من دون المؤمنين، ويدل هذا على أن العرض منها بدون إذن وليها، أو تطلب من وليها عرض ذلك عليه لمهابة المسلمين من فعل ذلك، والقبول يكون للنبي صلى الله عليه وسلم، وقيل أنه لم تعرض نفسها إلا امرأة واحدة، ثم طلبت أن تقال من هذا العرض، ولم يكن هناك زواج للنبي عليه الصلاة والسلام عن طريق هذا الحكم.
والحكمة من هذا الحكم أنه لو كان رسول الله تقدم لامرأة ورغب في الزواج منها، أو كانت الرغبة منها هي؛ فوهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، ورفض ولي المرأة هذا الزواج، وفضل غير رسول الله عليه؛ لكان ذلك كفرًا منه، وهلاكًا له، فرحمة من الله بالمؤمنين بين هذا الحكم.
¥