تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

من: (ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ ... )

ـ[مهاجر]ــــــــ[28 - 07 - 2009, 09:01 ص]ـ

من قوله تعالى: (ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)

ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ:

ما تقدم من خبر النبوات على طريقة العرب في الإشارة إلى ما انقضى بإشارة البعيد، أو هو مئنة من علو مكانة النبوات، إذ هي أعظم نعمة ربانية على جنس بني آدم، فهي مظنة:

التشريف له: إذ استخلف في الأرض ليقيم فيها بنيان الحياة وفق سنن الشرع الذي جاءت به النبوات، والتي بها تساس سنن الكون، فلا يطلق للنفس العنان لتتصرف في الكون بمعزل عن الوحي فذلك مظنة فساد الدين والدنيا، فالتلازم بين فسادهما وثيق، على حد قوله تعالى: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ)، فلو كان فيهما آلهة إلا الله، تأمر وتنهى، تدعى وترجى، لفسد حالهما إذ يلجأ الفقير إلى فقير مثله ليدبر أمره بما يضعه من سنن ورسوم يعارض بها سنن الوحي الشارع، ويفرجَ كربه حال الضيق فيتوجه إليه بالدعاء والاستغاثة لكشف ما لا يقدر على كشفه إلا الله، عز وجل، على حد قوله تعالى: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)، فلو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا، على جهة الفرض العقلي المحض، وهذا أمر مدرك بالحس في عالم الشهادة، فمجرد ادعاء آلهة غير الله مظنة الفساد، ولو كان الادعاء كاذبا لا أساس له من الصحة فكيف لو كان صحيحا؟!.

وأفسد الأمم حالا أبعدها عن النبوات، فالشرق الأقصى الملحد أفسد حالا من الغرب النصراني، وإن امتلك الجنس الأصفر من أسباب القوة المادية والتكنولوجية ما امتلك، فليس عنده من علوم النبوة وأخلاقها ما يهذب النفوس، ولعل الأحداث الأخيرة في تركستان الشرقية قد كشفت قبح الأمة الصينية ذات الملامح الرقيقة، والقلوب الغليظة، فالهدوء الظاهر، يخفي انحرافا نفسيا جامحا يسرف في سفك الدماء، وامتهان الآدمية في مصانع الإمبراطورية، فلا يعرف إلى لغة الأرقام المادية، التي آمنت بها الشيوعية ربا يسير الكون، فأسباب المادة الحسية هي معقد الولاء والبراء فرعا عن غياب النبوة التي تقرر ما لا يعرفه أولئك من الغيبيات الإلهية والسنن الربانية، فليس لهم نصيب إلا في الأسباب المشهودة بخلاف الأسباب المغيبة التي جبل البشر على الإيمان بها إجمالا، فهي مركوزة في فطرهم، لا يبين إجمالها إلا النبوة التي تأتي بما تحار في كيفه العقول، وإن لم تحل وجوده، فالمحروم: من حرم أسباب الهدى الشرعي، وإن أوتي من أسباب الظهور الكوني ما أوتي، فحاله الباطن فاسد بفساد غذائه، إذ لا نصيب له من الشرائع الإلهية غذاء القلوب، وإن صلح حاله الظاهر فله من غذاء الأبدان التي يشترك فيها البشر مع البهائم العجماوات، له منه أوفر نصيب، فضلا عن أسباب المادة التي صارت وبالا عليه إذ لا نية له في تحصيلها إلا الطغيان، فجل همه التحرر من قيد العبودية الاضطراري الذي يشهد به فقره الذاتي إلى ما يقيم بدنه، جل همه التحرر منه وإظهار الغنى الذاتي، ولو زورا وبهتانا، على حد: (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً)، فأظهروا الغنى الذاتي، وهو من أخص أوصاف الربوبية، فذلك مئنة من طغيانهم، ولذلك عقب بالإنكار بإثبات كمال القوة لله عز وجل: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً) تعريضا، بضعفهم، وإن أظهروا من رسوم القوة الزائفة ما أظهروا فصارت تلك الأسباب لما وقعت في أيدي من خلت قلوبهم من وحي النبوة، فلا عاصم لهم من وحي شارع أو سلطان وازع، صارت مادة دمار العالم وفساد ماءه وهوائه وتربته وغذائه، على حد قوله تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).

يقول ابن تيمية، رحمه الله، في معرض بيان صورة من صور هذا الفساد وهي ظهور الأحوال الشيطانية:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير