تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من آخر سورة القمر]

ـ[مهاجر]ــــــــ[25 - 07 - 2009, 07:48 ص]ـ

من قوله تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ * وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ):

ففيه: تعظيم يقتضيه سياق عموم المشيئة الكونية بتقدير الكائنات وإخراجها إلى عالم الشهادة وفق علم الله، عز وجل، الأول. فضلا عن دلالة "إن": التوكيدية.

وتقديم المعمول لكونه محط الفائدة، فعموم: "كل": محفوظ لا مخصص له، فلا يرد عليه المحال، إذ ليس بشيء ليخلق، فلا يتعلق بالقدرة على سبيل الإيجاد، وإن تعلق بالعلم على سبيل الفرض، فكل شيء كائن إنما قدر في الأزل وخرج إلى عالم الشهادة بقدر الله، عز وجل، الكوني النافذ، إذ شاء خلقه فقال له: "كن" فكان، بلا تراخ، فالكلمة التكوينية النافذة: علة تامة لخلق الكائنات فلا يتراخى عنها معلولها بل يعقبها مباشرة كما قد علم من دلالة الفاء التعقيبية.

وفي السياق إيجاز بحذف عامل تقدم: "كل" لاشتغال المتأخر عنه بضميره، على تقدير: إنا خلقنا كل شيء خلقناه، فيكون في ذلك توكيد آخر، إذ التكرار، ولو مقدرا غير مذكور، مظنته، وإنما حذف لفظا كراهة التكرار، وقدر معنى إرادة التوكيد، فاجتمع له من حسن اللفظ: الحذف إيجازا، ومن حسن المعنى: الإطناب تكرارا.

وقوله: "بقدر": حال مؤسسة لمعنى أريد النص عليه بعينه، وإن كانت فضلة من جهة الصناعة النحوية، فالكلام بدونها من جهة التركيب اللفظي مستقيم: إنا كل شيء خلقناه، ولكنه محتمل لا يرفع احتمال خلق الكائنات بلا قدر سابق، كما ذهب إلى ذلك القدرية نفاة مرتبة الخلق ونفاة مرتبة العلم من باب أولى، فهم أفحش الناس مقالة في باب القدر، فجاء النص بالحال على القدر الكوني النافذ الذي به تكون الكائنات فرعا عن كلماته، عز وجل، التكوينيات، فهي أمره النافذ في خلقه، إذ الأمر الكوني أحد قسمي الأمر الإلهي: الشرعي الحاكم والقدري النافذ، فهو أحد قسمي الكلام الإلهي: الشرعي والكوني، فالكلام الشرعي: وحيه، والكلام الكوني: قدره، وقد زيد في بيان ذلك المعنى الجليل، بالنص على الأمر على جهة التعيين: (وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ)

فهو، كما تقدم، علة تامة مؤثرة يعقبها المعلول بلا تراخ فلا يفصل بينهما إلا فاصلٌ كلمح بالبصر، فنفاذ أمره، عز وجل، في كونه، واقع على سبيل الحتم، وقد أكد ذلك المعني بإيراده في سياق قصر بأقوى أساليبه: النفي والاستثناء، وعظم المتكلم بإيراد: "نا" على ما اطرد في الآية الأولى، وخص الأمر، وإن أطلق، بالأمر الكوني، لدلالة السياق على ذلك، إذ هو في معرض بيان عموم خلقه، عز وجل، لكل الكائنات: حيها وميتها، مؤمنها وكافرها، برها وفاجرها ............... إلخ. فضلا عن دلالة العقل على ذلك: فإن الإله المطاع بالتأله لا يكون إلا ربا تام القدرة، كامل التصرف في خلقه بما شاء كيف شاء، فله تمام العلم المحيط والحكمة البالغة والقدرة النافذة، إذ لا يكون الخلق إلا بتلك على حد قوله تعالى: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ): فهذا العلم.

و: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ): فهذه الحكمة والإتقان.

و: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ): فهذه القدرة.

ودلالة الحس على ذلك، فإن أمره الكوني لا يتخلف، فمن شاء أحياه ولو كان عليلا، ومن شاء أماته ولو كان صحيحا، ومن شاء أغناه من عيلة، ومن شاء أفقره من غنى، فـ: (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ). وانتظام أمر هذا الكون بجريانه على سنن كونية محكمة خير شاهد على وحدة الأمر التكويني المجري لها، فـ: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا)، فالسنن الكونية فرع كلماته التكوينيات، فلا ينتج السبب مسبَّبه، وإن كانت قوة التأثير فيه مودعة، إلا إذا شاء الله، عز وجل، إعمالها، باستيفاء شروطها وانتفاء موانعها، إذ لا علة مخلوقة تؤثر بنفسها تأثيرا كاملا لا يفتقر إلى غيرها من العلل المكملة، فكل سبب مخلوق: مفتقر إلى خالقه، عز وجل، ليظهر أثره في عالم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير