تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[مسائل في المجاز (4) اللغة بدأت بالوضع والاصطلاح ..]

ـ[أبو فهر]ــــــــ[21 - 07 - 2009, 04:25 م]ـ

(4)

الردُّ على قولهم: إنَّ اللغة بدأت بالوضع والاصطلاح

لعل أبا هاشم الجبائي كان هو أوَّل من تكلم في ذلك من المسلمين , فأخذ أبو عبد الله البصريُّ المعتزلي لفظ الوضع من كلام شيخه أبي هاشم في بدء اللغة , فأدخله في حدِّه للحقيقة والمجاز , ثم زاد فيه أبو الحسين البصري المعتزلي لفظ الاصطلاح؛ وقولهم: إن اللغة بدأت بالوضع والاصطلاح ينسب إلى الفيلسوف اليوناني ديموقراطيس (1) , وهو من فلاسفة القرن الخامس قبل الميلاد , وهو من الفلاسفة الذريِّين , وهم أول من تكلم في الذرة وزعموا أن الكون كله مادة , وتلك المادة تتكون من ذرات , والذرات لا أول لها , فيهم من الدهريين الذين يقولون إن العالم لا أوَّل له , ولا يؤمنون بالغيب , وأكثر ما بقي من تراث ديموقراطيس هو ما نقله أرسطو في كتبه , وقسم تراسيليوس كتب ديموقراطيس إلى روابيع , وجعلها ثلاث عشر رابوعة , فيها اثنان وخمسون رسالة , وقيل: ستون رسالة , ومنها رابوعتان في اللغة والموسيقى والفن (2) , ولا يبعد أن أولئك المعتزلة كانوا وجدوا كلامه في بدء اللغة في بعض كتب أرسطو وشروحها , وكان بأيديهم كثير من تلك الكتب والشروح , وكان منهم من ينقل عن اليونانية بنفسه إلى آخر المائة الرابعة وبعدها , ولا يكتفون بما نقله حنين بن إسحاق وابنه إسحاق بن حنين , ولا ما نقله المترجمون قبلهما وبعدهما , وكان النظام وغيره قد نقلوا كثيراً من كلام ديموقراطيس وأصحابه في الذرة , وسمَّوها الجزء الذي لا يتجزأ , والجوهر الفرد , فكلام المعتزلة في الجزء الذي لا يتجزأ وكلامهم في بدء اللغة , وكلاهما نقلاً عن أولئك الفلاسفة الدهريين ديموقراطيس وأصحابه , ولم يك كلامهم بعيداً عن أولئك المعتزلة , ولعله لذلك قرن عبد القاهر الجرجاني بينهما , ولما أطال الكلام في المجازات والاستعارات , اعتذر بقوله: إن الكلام في الجزء الذي لا يتجزأ يملأ أجلاداً كثيرة.

وتكلم ديمواقرطيس في التاريخ , والأخلاق والسياسة واللغة وقال: إنها كلها ترجع إلى المادة والذرات , وكلام ماركس ولينين في التاريخ والسياسة مثل كلامه فيها , وقال ماركس: إنه أول عقل موسوعي بين مجموعة الفلاسفة اليونان , وقا ل لينين: إنه أعمق وأذكى رجل أوضح الفكر المادي في العصر القديم , وهو موجد الذرية وصاحبها. اهـ

وأعجب أصحاب دارون بقول ديموقرطيس في بدء اللغة , وذلك أنه يضاهي قولهم في التطور والنشوء والارتقاء , وكلامهم في بدء اللغة هو نفس كلام ديموقراطيس , أو هو بيان وتفصيل له , واتبعهم جورجي زيدان في كتابه: ((الفلسفة اللغوية والألفاظ العربية)) وغيره ممن اغترَّ بهم.

وأولئك الفلاسفة يزعمون أن الإنسان كان لا يتكلم , ولم تكن له لغة , وكان يعيش كما يعيش الحيوان , ثم إنه حكى الأصوات التي يسمعها من الريح والماء والرعد وغيرها , فنشأت له بذلك ضعيفة , ثم تطورت تلك اللغة شيئاً فشيئاً , وكثر الناس وصاروا يعيشون بعد التفرق في جماعات , فتواضعت كل جماعة منهم على لغة يتكلمون بها , وساعدتهم اللغة الأولى , والأصوات التي كانوا ينطقون بها على ذلك التواضع والاصطلاح , وأنهم وضعوا الألفاظ أولاً للصور المحسوسة , وأنهم وضعوا تلك الألفاظ للصور عشواء من غير أن يدل اللفظ على خاصة أو صفة في تلك الصورة , ثم صارت تلك الصور المحسوسة رمزاً لما لها من الخصائص والصفات المعقولة , ونقلت تلك الألفاظ من الصور المحسوسة إلى الصفات المعقولة في تلك الصور وغيرها , وشبَّه الإنسان المعقولات بالمحسوسات فالإنسان عند أولئك الفلاسفة وضع الألفاظ أولا للمحسوسات , ثم نقلها إلى المعقولات , وشبه المعقولات بالمحسوسات.

وأولئك الفلاسفة اليونانيون كانوا وثنيين , والوثنية أينما كانت تعبد الصُّور وهم كانوا يجعلون لكل شيء إلها , للحرب إليه , وللحب إله , وللمطر إله , وللريح إله , وغيرها , ويجعلون لكل إله صورة , فتكون ذلك الإله رمزاً لما ينفعهم به بزعمهم , فكذلك زعموا أن الألفاظ وضعت للصور , ثم صارت الصورة رمزاً للصفات المعقولة , ونقلت الألفاظ من الصور إلى الصفات وذلك القول هو شعبة من وثنيتهم , وعبادتهم للصور وسفاهة أحلامهم , وكفرهم بالغيب.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير