لِمَ عُرِّفت «السفينة» في سورة الكهف؟
ـ[فيصل المنصور]ــــــــ[27 - 04 - 2009, 01:43 م]ـ
لِمَ عُرِّفت «السفينة» في سورة الكهف، ونُكِّر «الغلام»، و «القرية»؟
قالَ تعالى: http://www.ahlalloghah.com/images/up/01204cbc20.gif فانطلقا حتى إذا ركِبا في السفينة خرقَها قال أخرقتَها لتغرقَ أهلَها http://www.ahlalloghah.com/images/up/2654672cb0.gif [ آية 71]؛ فعرَّفَ «السفينة».
وقالَ: http://www.ahlalloghah.com/images/up/01204cbc20.gif حتى إذا لقيَا غلامًا فقتلَه http://www.ahlalloghah.com/images/up/2654672cb0.gif [ آية 74]، وقالَ: http://www.ahlalloghah.com/images/up/01204cbc20.gif حتى إذا أتيَا أهل قريةٍ استطعما أهلَها http://www.ahlalloghah.com/images/up/2654672cb0.gif [ آية 77]؛ فنكَّرَ «الغلام»، و «القرية».
فكيف فرَّقَ بين هذه الثلاثةِ؟ وكيف عرَّف «السفينة» ولم يتقدَّم لها ذكرٌ؟
ينبغي أن نعلمَ أولُ أنَّ التعريفَ، والتنكيرَ مبحثٌ نحويٌّ متصِلٌ بعلم المعاني، من قِبَل دورانِ الكلمةِ بينَ هاتين الحقيقتينِ دورانًا ربَّما أشكلَ الفصلُ فيه على المتكلِّم غيرِ البصيرِ بمواقعِ الكلام، ووجوهِ الخِطابِ، ودقائقِ الأحوالِ. ينبيك بهذا قولُ امرئ القيس بن حُجْرٍ:
مِسحٍّ إذا ما السابحات على الونَى ... أثرن الغبار بالكَديد المركَّلِ
فقد روى جمهور الرُّواة: (الغبار)، وروى الأصمعيُّ: (غُبارًا).
وقولُه:
فعنَّ لنا سِربٌ كأنَّ نِعاجَه ... عذارى دوار في مُلاءٍ مذيَّلِ
فقد روى جمهور الرواة: (ملاءٍ)، وروى الأصمعيُّ: (الملاءِ).
ولا شكَّ أيضًا أنك ترى مقدارَ الاختلافِ بينَ نُقَّاد القصائدِ؛ فمنهم من يدَّعي أن التنكير في موضعٍ مَّا للتحقيرِ. ومنهم من يقولُ: هو للتعظيمِ. ومنهم من يقول: هو لا يفيدُ هذا، ولا ذاك. ثم لا تجدُهم يُبدونَ لك عن معيارٍ منصوبٍ تستطيعُ أن تحتكم إليه، وترضَى بقضائه.
من أجل ذلك كانَ معرفةُ الفصلِ فيه من آياتِ البلاغةِ التي لا يُهدَى إليها إلا مَن راضَ نفسَه بمحاسنِ الكلامِ، وعوَّدَها طُرُقَ الإصابةِ، وأوتيَ من الذوقِ، ولُطفِ الحِسِّ ما استغنى بهِ عن الأصولِ الموضوعةِ، والقواعدِ المستحدَثةِ.
فأمَّا الذي لا يَزال بحاجةٍ إلى أصولٍ يضبطُها تكونُ له مرجعًا في ما يعرِضُ لهُ من المسائلِ، فنذكرُ له إن شاء الله حقيقةَ هذا البابِ بما نرى فيه القصدَ، والسَّدادَ، ونبيِّن علاقتَه بالبلاغةِ، ثم نلتفِت إلى الآية الكريمة، فبيتي امرئ القيس المتقدِّمين.
الأصلُ في الكَلِم هو التَّنكيرُ؛ وذلك أنَّ الألفاظَ الموضوعةَ لتكونَ دلائلَ على الأشياءِ إنما وُضِعت لتكونَ شامِلةً لكلِّ فردٍ من أفرادِ الجنسِ ما توفَّرت فيهِ حقائقُ معيَّنةٌ لا تقومُ ماهيَّتُه إلا بها؛ فإذا قلتَ: (كتاب)، دخلَ في هذا كلُّ ما كانَ مؤتلِفًا من أوراقٍ على نحوٍ معلومٍ، ولم يستبن فردٌ منها عن فردٍ؛ فاحتاجت العربُ إلى الفصلِ بينها، وتمييز بعضها من بعضٍ، فلجأت إلى طرائقَ مختلِفةٍ؛ كلُّها يجمعُها اسمُ التعريفِ؛ منها التعريف بـ «أل»؛ فألحقتها أوائلَ الكلِمِ لتَدلَّ على أنَّ هذا الشيءَ معروفٌ عندك أيُّها المخاطبُ، وأن لك به سابقَ علمٍ، وأنه ليس كسائرِ الأفرادِ. والسبيلُ إلى معرفةِ هذا الفرْد المعرَّفِ أن يَّكونَ أوَّلاً مشارًا إليهِ، كما لو قالَ لك قائِلٌ: (اقرأ الكتاب)، وأعطاكه بيدِه؛ فهو معرِفةٌ عندَك بالحالِ. فإن عِدمتَ هذا، ففتِّش عن الكلمةِ المعرَّفةِ في ما مضى من الكلامِ؛ فإذا وجدتَّها سبقت، فهي المراد تعيينُها. ومن ذلك قوله تعالى: http://www.ahlalloghah.com/images/up/01204cbc20.gif كما أرسلنا إلى فرعون رسولاً * فعصى فرعون الرسولَ http://www.ahlalloghah.com/images/up/2654672cb0.gif ؛ فإنَّ قولَه: http://www.ahlalloghah.com/images/up/01204cbc20.gif الرسول http://www.ahlalloghah.com/images/up/2654672cb0.gif مقتضاه أنَّه معروفٌ لديكَ؛ فلمَّا عدِمتَ دَِلالة الحالِ، انتقلتَ إلى الكلامِ. فإذا عدِمتَ دَِلالة الكلامِ، ولم تجِد لها ذكرًا سابقًا، انتقلتَ إلى دَِلالة العهدِ؛ فقد يكونُ بينَك وبينَ
¥