تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

من: (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَات)

ـ[مهاجر]ــــــــ[18 - 06 - 2009, 05:36 ص]ـ

من قوله عز وجل:

وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى: فبعد الترهيب في قوله تعالى: (لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا): ترغيب بذكر جزاء من عمل بضد السوء، فالمسألة من باب قياس الطرد والعكس، فمن عمل سوءا اطرد في حقه الوعيد، ومن عمل بعكسه من الصالحات اطرد في حقه عكس الوعيد من الوعد، وقياس الطرد والعكس مطرد في بيان المآلات باختلاف الأحوال، فمن أحسن فله الحسنى طردا، ومن أساء فله عكسها.

وذلك جار على ما اطرد من طريقة القرآن من اقتران الترهيب والترغيب.

و: "من": الأولى: نص في العموم على ما تقرر من عموم أسماء الشرط.

ومن في: "من الصالحات" و: "من ذكر أو أنثى": لبيان الجنس، فلا يراد بها عمل دون آخر، وإنما المراد: جنس الصالحات، وكذلك القول في: "من ذكر أو أنثى": فالمراد بها جنس الذكر والأنثى، لا ذكر أو أنثى بعينهما، فتنزل منزلة "أل" الجنسية التي يراد بها الماهية في نحو: الرجل خير من المرأة، فهو تفضيل جنس على جنس لا أفراد على أفراد كما قرر النحاة.

والنص على الجنسين: استيفاء لشطري القسمة العقلية إرادة العموم احترازا من نحو ما روى الترمذي عن أم سلمة رضي الله عنها: قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أَسْمَعُ اللَّهَ ذَكَرَ النِّسَاءَ فِي الْهِجْرَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ}.

وَهُوَ مُؤْمِنٌ: باعتبار لفظ: "من" الشرطية المفرد، وهو قيد مؤثر، فله مفهوم، دل عليه قوله تعالى: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا)، فالحال وصف في المعنى، فيجري التخصيص به مجرى التخصيص بالوصف في نحو قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا)، فتعليق حكم التبين على وصف الفسق الذي اشتق منه اسم الوصف: "فاسق" فهو اسم فاعل دال على من تلبس بذلك الوصف، تعليق حكم التبين عليه منطوقا، يفيد انتفاء الحكم عمن تلبس بضده من الإيمان مفهوما، فقياس العكس جار في هذه الصورة، أيضا، وهكذا الحال، فإن تخصيص الوعد بوصف الإيمان منطوق له مفهوم نفيه عمن تلبس بالكفران: الوصف المناقض للإيمان. فلا اعتبار لفرع، وإن صلح، فسد أصله، فالإيمان شرط في صحة الأعمال، حتى من عند من يقول بخطاب الكفار بفروع الشريعة فإنهم مطالبون بها وبشرطها المتقدم عليها، إذ الشرط يسبق مشروطه تصورا ووجودا فلا يتصور عمل مقبول بلا إيمان، ولا وجود شرعي لعمل بلا إيمان يتقدمه، وإن كان له وجود حسي، فالعبرة في الشرعيات: بالوجود الشرعي: المستوفي لشروطه وآكدها وأولها الإيمان المصحح للعمل.

وكما لا يتصور عمل مقبول بلا إيمان، لا يتصور إيمان منج من العذاب ابتداء بلا عمل، بل إن من العمل ما قد يكفر تاركه، عند بعض أهل العلم، كالصلاة، والخلاف في حكم تاركها كسلا معروف، ومنه ما يكفر فاعله يقينا كمن تلبس بناقض من نواقض الإسلام العملية مع قيام الحجة وانتفاء الشبهة وانتفاء موانع التكفير المعروفة، فالرباط بين الإيمان والعمل: رباط وثيق، ودلالة الإيمان على العمل: دلالة تضمن. فالعمل جزء من مسمى الإيمان، وهو شرط في صحته، عند من يكفر تارك بعض الأعمال كالمباني العملية: الصلاة والزكاة والصوم والحج، وهي روايات عن أئمة معتبرين، محل أخذ ورد، والخلاف فيها مبسوط في كتب العقائد والأحكام، وشرط في كماله المنجي من الوعيد، على المشهور من أقوال أهل العلم، فمن قصر في العمل: فاته: الإيمان المطلق، ولم ينف عنه: مطلق الإيمان، كما أشار إلى ذلك صاحب السلم، رحمه الله، بقوله:

والفاسق الملي ذو العصيان ******* لم ينف عنه مطلق الإيمان

لكن بقدر الفسق والمعاصي ******* إيمانه ما زال في انتقاص

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير