تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من سورة الكافرون]

ـ[مهاجر]ــــــــ[08 - 05 - 2009, 09:21 ص]ـ

من قوله تعالى: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)، فاللام في: "لكم": مشعرة بالاختصاص وتقديم ما حقه التأخير مئنة من ذلك، فليس الأمر إقرارا بل هو براءة من دين الكفار، على وزان قوله تعالى: (وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ)، فإن فيه ما قد قيل في الآية السابقة من إشعار اللام بالاختصاص، وتقديم ما حقه التأخير، وجاء النص على البراءة من المخالف في هذا السياق قطعيا لا يقبل الظن على جهة المقابلة، التي استوفت حد البراءة من الطرفين، فإن البراءة أشد ما تكون إذا كانت متبادلة بين أطراف النزاع، فلا يبقي أحدهم على ود خصمه أو صلته، بل هي مفاصلة تامة.

والنظر إلى الآية في سياقها يزيل شبهة إقرار الكافر على كفره: إقرار الراضي المحب، إذ صدرت السورة بقوله تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)، والنداء بالصفة المشبهة المشتقة من معنى الكفر الذي هو الجحود وستر الإيمان مئنة من الإنكار وعدم الإقرار، فهل يرضى أحد عن دين غيره إذا وصفه بالكافر، ولا يلزم من ذلك قتله إن كان معاهدا أو ظلمه إن كان بريئا، فإن الشأن في أمر العقائد غير الشأن في أمر المعاملات، فالأولى: خط أحمر بلغة ساسة العصر!!!، والثانية: مما يجمل بالمرء التسامح فيه، فأمور المعاش مما يستوي فيه البر والفاجر، فكل يأكل ويشرب وينام ................ إلخ فلا اختصاص لأحد بها لتصير معقد ولاء وبراء كالأديان التي هي محط الابتلاء وموضع الامتحان، فلا يمتحن الناس في قبورهم بأمر دنياهم وإنما يمتحنون بما كسبت قلوبهم.

لذلك قال من قال من أهل العلم: من نافسك في الدين فنافسه، ومن نافسك في الدنيا فألقها له، أو كلمة نحوها وحالنا اليوم، إلا من عافى الرب جل وعلا، الضد: فالتنافس في الدنيا التي توغر الصدور، والزهد في الدين الذي يؤلف القلوب، فإن التنافس في الدين يسع الكل إذ أجناس العبادات كثيرة فمن الناس من فتح له في الصلاة، ومنهم من فتح له في الزكاة ومنهم من فتح له في الجهاد، ومنهم من فتح له في طلب العلم .......... إلخ، بخلاف الدنيا فإنها ضيقة لا تسع الكل فتقع المشاحة في التنافس على نيلها فمقعد الحاكم لا يسع إلا واحدا، ومقعد الوزير لا يسع إلا واحدا، ومقعد المحافظ لا يسع إلا واحدا، بل مقعد الغفير أو الجندي لا يسع إلا واحدا! فالمشاحة واقعة بين كل أفراد الجماعة بل إنها تزيد بين أرباب المهنة الواحدة فيقع من التشاح بين الأطباء ما لا يقع بينهم وبين المهندسين لعدم التنافس في اقتناص الزبائن!.

وبعدها جاءت البراءة: "لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ" على طريق المقابلة أيضا، وتسلط النفي على عموم: "ما" فلا أعبد الإله الذي صفته صفة إلهكم، وإن اشترك الكل في اسم: "الله"، فإن كلا يدعي أنه يعبد الله، والعبرة بالمعاني لا بالمباني. فالعاقل ينظر في صفات كل معبود من معبودات الأمم نقلا وعقلا ليختار ما يناسبه على طريقة: على قدر أهل العزم تأتي العزائم، وليس سواء من عبد الله، عز وجل، الرب الإله الحق المتصف بأوصاف الكمال العلية القائمة بذاته القدسية أزلا وأبدا فلم يكن عن كمال عريا ولم يكن بنقص حريا، بل هو عن كل نقص منزه، وبكل مدح ممجد، ليس سواء من عبد ذلك الإله، ومن عبد بشرا أو حجرا أو بقرا!.

فـ: "ما" هنا موضوعة للوصف الذي تتمايز به المعبودات، فهو كقوله تعالى: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ)، فالمراد الصفة المستطابة في النساء لا أعيانهن.

ومن "التحرير والتنوير":

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير