[البيان البلاغي عند العرب موضوعه، مكانه من البلاغة]
ـ[عمر خطاب]ــــــــ[26 - 03 - 2009, 01:14 م]ـ
أحمد الله تعالى على نعمائه، وأصلي وأسلم على محمد خاتم رسله، وصفوة أنبيائه.
وبعد فوفاء بوعد، واستجابة لرغبة، وإتماما لفائدة أقدم بين يدي القارئ الكريم هذه الدراسة الموصولة بإذنه تعالى في موضوع: البيان البلاغي عند العرب - موضوعه - مكانه من البلاغة.
فأما موضوع البيان فلقد حدده ابن الأثير المتوفى 637هـ في كتابه المثل السائر - بأنه الفصاحة والبلاغة، وصاحبه يسأل عن أحوالهما: اللفظية والمعنوية.
وهو والنحوي يشتركان في أن النحوي ينظر في دلالة الألفاظ على المعاني من جهة الوضع اللغوي، وتلك دلالة عامة.
وصاحب علم البيان ينظر في فضيلة تلك الدلالة، وهي دلالة خاصة والمراد بها: أن يكون على هيئة مخصوصة من الحسن، وذلك أمر وراء النحو والإعراب، ألا ترى أن النحويّ يفهم معنى الكلام المنظوم والمنثور، ويعلم مواقع إعرابه، ومع ذلك فإنه لا يفهم ما فيه من الفصاحة والبلاغة؛ ومن هنا غلط مفسرو الأشعار في اقتصارهم على شرح المعاني، وما فيها من الكلمات اللغوية، وتبيين مواضع الإعراب منها دون شرح ما تضمنته من أسرار الفصاحة ووجوه البلاغة.
وعليه فموضوع فنّ البيان هو تلك الدلالات الخاصّة التي تنتظم أسرار الصياغة في جوّ الأساليب التي ينشئها الأدباء، تعبيرا عن أفكارهم، وتصويرا لعواطفهم، وهذه الأساليب تتفاوت وضوحا وخفاء، قوة وضعفا، وهي على تفاوتها وتنوّعها فقد حاول البيانيون المتأخرون حصرها في هذا الثلاثي: (التشبيه - المجاز - الكناية) وتلمّسوا لهذا الحصر ضوابط يبدو فيها التكلف، ويظهر عليها الافتعال؛ وآية ذلك اعتراف السكاكي المتوفى 626هـ رائد الاتجاه التقريري الفلسفي في البلاغة بأن المطلوب بهذا التكلف هو الضبط، ذلك أن البيان في نظره بمعنى: إيراد المعنى الواحد على صور مختلفة لا يتأتى إلا في الدلالات العقلية، وهي من معنى إلى معنى؛ بسبب علاقة بينهما؛ كلزوم أحدهما الآخر بوجه من الوجوه؛ فمرجع علم البيان: اعتبار هذه الملازمات بين تلك المعاني، واعتبار هاتين الجهتين: جهة الانتقال من ملزوم إلى لازم، وجهة الانتقال من لازم إلى ملزوم، وإذا ظهر لك أن مرجع علم البيان هاتان الجهتان علمت انصباب علم البيان إلى التعرّض للمجاز والكناية؛ ففي المجاز يكون الانتقال من الملزوم إلى اللازم، وفي الكناية يكون الانتقال من اللازم إلى الملزوم، وترى ذلك في الأمثلة المسوقة لهما، فلا علينا أن نتخذ المجاز والكناية: أصلين.
ثم إن المجاز أعني: الاستعارة من حيث إنها من فروع التشبيه لا تتحقق بمجرد حصول الانتقال من الملزوم إلى اللازم، بل لابدّ فيها من تقدمة تشبيه شيء بذلك الملزوم في لازم له تستدعي تقديم التعرّض للتشبيه، فلابدّ من أن نأخذه أصلا ثالثا ونقدِّمه، فهو الذي إذا مهرت فيه ملكت زمام التدرب في فنون السحر البياني.!!!!
والمتأمل في كلام السكاكي هذا يلمح التمحل الذي ارتكبه في سبيل ضابط تنحصر فيه مسائل البيان وأصوله؛ وكأنه في غيبة هذا الضابط لن يتحقق حصرها، ولا تعجب فإنه نهج السكاكي الذي أسرف في اصطناع الضوابط الكثيرة!! فضلا عن أننا لا نسلم له هذه التفرقة بين المجاز والكناية؛ ذلك أن اللازم في الكناية لازم مساوٍ؛ فيصحّ أن يسمى اللازم حينئذ ملزوما، والملزوم لازما، على أن التفرقة المعتبرة بينهما إنما تكمن في القرينة؛ فقرينة المجاز مانعة دائما من إرادة المعنى الوضعي، بخلاف قرينة الكناية فإنها مجوزة لإرادة المعنى الوضعي ما لم يقم مانع خارج عن طبيعة الكناية ….
ولا نسلم له كذلك أن التشبيه مقصد غير أساسي في البيان، وأنه وسيلة أو مقدمة لبعض أنواع المجاز، أو أنه أصل ادّعائي!!! وحسبنا ما أبرزه السكاكي نفسه عن قيمة التشبيه البلاغية، وتأثيره النفسي من أنه الأصل الذي إذا أمهرت فيه ملكت زمام التدرب في فنون السّحر البياني!!!
¥