تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[والسماء ذات الرجع ...]

ـ[منذر أبو هواش]ــــــــ[01 - 06 - 2009, 12:13 م]ـ

قال تعالى: "والسماء ذات الرجع".

الرجع هو أن يتحول الشيء ويتبدل، فيرجع على غير ما كان عليه، أو هو أن يعود ذلك الشيء المتحول بعد ذلك ويرجع مرة ثانية إلى وضعه الأول، أو إلى حالته التي كان عليها في المرة الأولى، كأن يتحول الماء إلى عرق أو إلى بخار، أو أن يعود الماء المتبخر بعد التكثف إلى حالته السائلة الأولى مرة ثانية.

يخاطب الخالق الناس بالمعاني التي يدركونها ويعقلونها، لذلك ترى أن المعاني تتسع من جيل إلى جيل مع اتساع المدارك والعقول.

يدور الرجع والرجيع في لغة العرب في الغالب حول معنيين رئيسيين: الأول معنى الرجوع والعودة والتكرار والذهاب والإياب، والثاني - وهو الأهم - معنى التحول المادي الفيزيائي من حال إلى حال.

يقولون في المعاجم: "أَرجع اللهُ همَّه سُروراً أَي أَبدل همه سروراً"، "والرُّجْعَى والرَّجِيعُ من الدوابّ أو الإبل: ما ذهب نشيطا ورجع كالا"، "والرَّجْعُ والرَّجِيعُ: النَّجْوُ والرَّوْثُ وذو البَطن لأَنه رَجَع عن حاله التي كان عليها، وإِنما سمي رَجِيعاً لأَنه رَجَع عن حاله الأُولى بعد أَن كان طعاماً أَو علَفاً أَو غير ذلك"، أَرْجَعَتِ الإِبلُ: عادت سمينة بعد هزال والرَّجيعُ: الشِّواء يُسَخَّن ثانية؛ وكلُّ طعام بَرَد فأُعِيد إِلى النار فهو رَجِيع، "وحبْل رَجِيع: نُقض ثم أُعِيد فَتْلُه، وقال اللحياني: ارْتَجَع فلان مالاً وهو أَن يبيع إِبله المُسِنة والصغار ثم يشتري الفَتِيّة والبِكار، وقيل: هو أَن يبيع الذكور ويشتري الإِناث؛ وعمَّ مرة به فقال: هو أَن يبيع الشيء ثم يشتري مكانه ما يُخَيَّل إِليه أَنه أَفْتى وأَصلح، وجاء فلان بِرِجْعةٍ حَسَنةٍ أَي بشيء صالح اشتراه مكان شيء طالح، أَو مَكان شيء قد كان دونه، الارْتِجاعُ: أَن يَقدُم الرجل المصر بإِبله فيبيعها ثم يشتري بثمنها مثلها أَو غيرها، شكت بنو تَغْلِبَ إلى معاوية السنة فقال: كيف تَشْكُون الحاجةَ مع اجْتِلاب المِهارة وارْتجاعِ البِكارة؟ أَي تَجْلُبون أَولاد الخيل فتَبِيعُونها وترجعون بأَثمانها؛ البكارة للقِنْية يعني الإِبل؛ قال الكميت وقيل لحَيّ من العرب: بمَ كثرت أَموالكم؟ فقالوا: أَوصانا أَبونا بالنُّجَع والرُّجَع، وقال ثعلب: بالرِّجَع والنِّجَع، وفسره بأَنه بَيْع الهَرْمى وشراء البِكارة الفَتِيَّة، وقد فسر بأَنه بيع الذكور وشراء الإِناث، وكلاهما مما يَنْمي عليه المال. الرجع: ما يأتي بهيئة ويرجع بهيئة أخرى، والرّاجعةُ: الناقة تباع ويشترى بثمنها مثلها، فالثانية راجعة ورَجِيعة، قال علي بن حمزة: الرَّجيعة أَن يباع الذكور ويشترى بثمنه الأُنثى، الرَّاجِعُ من النساء: التي مات عنها زوجها ورجعت إِلى أَهلها، فقد ذهبت بحالة وعادت بحالة أخرى، ويقال للمريض إِذا ثابَتْ إِليه نفْسه بعد نُهوك من العِلَّة: راجع.

ويقولون: الرَّجْع: المطر لأَنه يرجع مرة بعد مرة. وفي التنزيل: والسماء ذاتِ الرَّجْع، ويقال: ذات النفْع، والأَرض ذات الصَّدْع؛ قال ثعلب: تَرْجع بالمطر سنة بعد سنة، وقال اللحياني: لأَنها ترجع بالغيث فلم يذكر سنة بعد سنة، وقال الفراء: تبتدئ بالمطر ثم ترجع به كل عام، وقال غيره: ذاتِ الرجع ذات المطر لأَنه يجيء ويرجع ويتكرّر. والرَّجِيعُ: العَرَق، سمي رَجيعاً لأَنه كان ماء فعاد عرَقاً.

لذلك يبدو لي أن المعنى والتصور الذي يدركه الانسان الآن يتجاوز كثيرا ما فسره الأولون من معنى الرجع، وإطلاقه على كل ما يتكرر ذهابه وعودته، أو على كل ما يتبدل ويتحول من حال إلى حال، وذلك لأن هذا المعنى يظل من المعاني البسيطة القريبة إلى المدارك إذا ما قورن بالمعنى الحالي الأوسع الذي يفهمه إنسان هذا العصر، أو المعنى الحقيقي للسماء الكونية الواسعة، وما يحدث فيها على الدوام من تغيرات وتحولات مادية هائلة يصعب وصفها واستيعابها.

لقد اتسعت مدارك علماء الفلك الذين أدركوا الحجم الهائل للسماء والكون، وما يحدث فيهما من تغيرات وتحولات مستمرة عبر الزمن، وقد تأكد للعلماء أن هناك كواكب ومجرات تختفي وتصبح هباء منثورا، في حين تعود كواكب ومجرات أخرى إلى التشكل من جديد، إلى غير ذلك مما يطول شرحه.

لذلك يبدو لي أن من معاني "السماء ذات الرجع" هو السماء ذات التحول من حال إلى حال، وما قد ينتج عن فعل التحول هذا ويصاحبه من مواد وأجسام وأوضاع وأشكال وصور، على عظمة وضخامة واتساع هذا المعنى الذي قد يصعب على كثيرين من غير المتخصصين أن يدركوه أو أن يتخيلوه.

والله تعالى أعلم،

منذر أبو هواش

ـ[بسمة الكويت]ــــــــ[01 - 06 - 2009, 12:44 م]ـ

بارك الله فيك

ـ[السراج]ــــــــ[03 - 06 - 2009, 09:43 م]ـ

بارك الله فيك ووهبك زيادة في العلم، فضاء من تحليل وتفسير كلمة واحدة أعجوبة في الوصف ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير