6 - وتعقّب السيد الشريف في مسألة نحوية، حين شرح السيد الشريف قول السكّاكي - بعد إيراد أمثلة الالتفات – "وأمثال ما ذكر أكثر من أن يضبطها القلم" [82].
فقد قال المؤلف: "قوله: أكثر من أن يضبطها القلم، مما أخطأ فيه الشارح الفاضل، حيث زعم أن المذكور (من) التفضيلية" [83] وردّ عليه مبيّناً خطأه فقال: «ومبنى ما ذكره أوّلاً وآخراً، الغفول عن أصل في هذا الباب، ذكره الإمام المرزوقي في شرح الحماسة، وصاحب المغرّب، وغيرهما، وهو: أنّ أفعل التفضيل إذا وقع خبراً تحذف عنه أداة التفضيل قياساً، ومنه: الله أكبر وقول الشاعر:
دَعَائِمُهُ أَعَزُّ وَأَطْوَلُ
فكلمة (من) في أمثال ما ذكر متعلقة بما يتضمنه اسم التفضيل" [84].
7 - وانتقد السيد الشريف في فهم قول السكّاكي: "قد يختص مواقعه بلطائف" [85] أي مواقع الالتفات، حيث فهم السيد الشريف أن (قد) هنا معناها التقليل، ولذا ردّ عليه المؤلف هذا الفهم، داعماً ردّه بالشواهد، فقال: "لفظة (قد) تستعار للتكثير، كما في قوله تعالى: {قدْ نرَى تقلُّبَ وجْهِكِ في السِّماءِ} [86] وقول الشاعر:
كَأَنَّ أَثْوَابَهُ مُجَّتْ بِفِرْصَادِ
قَدْ أَتْرُكُ مُصْفَراًّ أَنَامِلُهُ
والشارح الفاضل لغفوله عن استعارة (قد) للتكثير في أمثال هذا المقام، قال في شرحه: ولفظة (قد) إشارة إلى أن الفائدة العامة كافية لحسن الالتفات في مواقعها كلها، لكن ربّما اشتمل بعضها على فائدة أخرى، فيزداد حسنه فيه" [87].
ولعلّ هذه الأمثلة توضّح أهميّة هذه الرسالة، وتفصح عن قيمتها العلميّة، وتلقي الضوء على منزلة المؤلف العلميّة، وأمانته ودقّته.
المآخذ على الرسالة:
الرّسالة في مجملها عمل جادّ، وجهد مثمر من عالمٍ متمكن، وقد مرّ معنا مزايا كثيرة لها، من خلال تلك الأمثلة التي عرضت جهد المؤلف، ومناقشاته، ولكن البشر مهما بلغوا في درجات الترقي والتجويد، فإنه لابد لهم من كبوة تنبئ عن بشريّتهم، وعدم عصمتهم من الخطأ والزّلل، ومن رحمة الله أن جعل أجراً على ذلك الخطأ من العالم إذا اجتهد قدر طاعته وتحرّى الحق والعدل، وأرجو أن يكون ابن كمال باشا ممّن ينال الأجر والمثوبة من الله فيما اجتهد فيه، وحسبت أن فيه تقصيراً أو خطأ، ومن ذلك:
1 - عدم تعريفه تلوين الخطاب، فالرسالة تحمل هذا العنوان، ومع ذلك فهو لا يحدّده تحديداً دقيقاً، كما صنع في الالتفات، ولعلّ السبب في ذلك، أن تلوين الخطاب باب واسع، يشمل أنواعاً كثيرة من الأساليب، ومع ذلك لم يتناوله العلماء من قبل، أمّا الالتفات فقد وجد السبيل فيه ممهّداً، ولذا فقد أطال في تناوله، وناقش ما وجد من آراء قيلت فيه.
2 - ومما يؤخذ عليه: أنه لم يمثِّل لبعض أنواع تلوين الخطاب فقد ذكر أنه يقع في خمسة أضرب، ومثّل لثلاثةٍ منها فقط وأهمل ضربين.
3 - أنه كان يأتي ببعض الأمثلة غير تامّة، فلا يتبيّن القارئ موضع الشاهد، ومن الأمثلة على ذلك، إيراده لقوله تعالى {ثمَّ توليتُم إلا قليلاً مِنْكُم} شاهداً على عدم وجود الالتفات، فقال: "فلا التفات في قوله تعالى: {ثمَّ توليتُم إلا قليلاً مِنْكُم} لأن الكلام قبله مع أسلاف المخاطبين به، نعم هو على طرزه وطريقته .. " [88].
وإيراده لهذا المثال لا يبيّن موطن الالتفات أو عدمه، بل لابدّ من إيراد الآية تامّة، وعند ذلك يتضح ما قاله فيوافقه القارئ أو يخالفه فيما ذهب إليه، والآية تامّة هي قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ} [89].
4 - وقد وهم المؤلف حين تابع التفتازاني، فألحق بالالتفات أمرين فقال: "وقد يطلق الالتفات على معنيين آخرين؛ أحدهما: أن تذكر معنى فتتوهم أن السامع اختلجه شيءٌ فتلتفت إلى ما يزيل اختلاجه، ثم ترجع إلى مقصودك كقول ابن ميّادة:
ولا وصلُهُ يصفو لنا فنكارمُه [90]
فلا صَرْمُهُ يبدو وفي اليأس راحةٌ
فإنه لمّا قال: (فلا صرمه يبدو) واستشعر أن يقول السامع: وما نصنع به؟ فأجاب بقوله: (وفي اليأس راحة) ثم عاد إلى المقصود.
¥