ـ[مهاجر]ــــــــ[21 - 11 - 2009, 04:39 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ: إيجاز بالحذف، ففي السياق مقدر محذوف بعد همزة الاستفهام، فتقدر جملة يعطف عليها ما بعدها بالفاء التعقيبية، فتقدير الكلام: أقنطوا من رحمة الله فلا يتوبون، أو: أزهدوا في فضل الله فلا يتوبون، أو: أغفلوا عن عظم جرمهم فلا يتوبون، وفي حثهم على التوبة مع عظم الجرم نوع تلطف معهم يقتضيه مقام الدعوة، كما أشار إلى ذلك ابن كثير، رحمه الله، بقوله: "وهذا من كرمه تعالى وجوده ولطفه ورحمته بخلقه، مع هذا الذنب العظيم وهذا الافتراء والكذب والإفك، يدعوهم إلى التوبة والمغفرة، فكل من تاب إليه تاب عليه"، فهو ترغيب بعد ما تقدم من ترهيب، وهذه طريقة الكتاب العزيز المطردة في ذكر الوعد عقب الوعيد، والنعيم عقب العذاب ............... إلخ من المتقابلات.
وقد جعله الفراء، رحمه الله، من قبيل الاستفهام الذي أريد به الأمر، فتقدير الكلام على ذلك: توبوا إلى الله واستغفروه، على حد قوله تعالى: (فهل أنتم منتهون)، أي: انتهوا، كما نقل ذلك عنه البغوي، رحمه الله، في تفسيره.
وعطف التوبة على الاستغفار: عطف مقترنين، فإنهما من قبيل الإسلام والإيمان: إذا افترقا اجتمعا، وإذا اجتمعا افترقا، فإذا افترقا دخل الاستغفار في حد التوبة، ودخلت التوبة في حد الاستغفار، وإذا اجتمعا دل الاستغفار على ما مضى، والتوبة على ما يستقبل، فاكتملت القسمة العقلية إذ المذنب نادم على الماضي عازم على الاستقامة في الحاضر والمستقبل.
والتذييل بقوله تعالى: (وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، يناسب السياق فهو غفور يستر الذنب فلا يؤاخذ عليه ابتداء، ولا يكون ذلك إلا لأهل رحمته الخاصة: رحمة "الرحيم"، فلا حظ لكافر فيها وإن كان له نصيب من رحمته العامة: رحمة "الرحمن".
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[23 - 11 - 2009, 08:04 ص]ـ
قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا:
أتعبدون: استفهام إنكاري توبيخي فما بعده قد وقع منهم فعلا، وهو ما يستحق أقصى درجات التوبيخ.
مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا: نفي عموم اعتقاد الضر أو النفع في آلهة الباطل، فـ: "ضرا" و "نفعا": نكرتان في سياق النفي، وقدم الضر لأن النفس تتشوف إلى درء المفسدة قبل جلب المصلحة، وفي التنبيه على بطلان ذلك: تنبيه على بطلان ربوبيتهم فلا يملكون إيصال الضر أو النفع إلى عبيدهم، فهم: عبيد أمثالهم!، وفي ذلك علة لما تقدم في صدر الآية من إبطال ألوهيتهم بتوبيخ عابديهم، فبطلان ألوهيتهم فرع على نقصان ربوبيتهم، وفيه إشارة إلى صحة ألوهية الله، عز وجل، فرعا على كمال ربوبيته، فالمنطوق يدل على المسكوت عنه، دلالة التزام، إذ نفي آلهة الباطل يقتضي لزوما إثبات وحدانية الإله الحق، جل وعلا، وهذا معنى: لا إله إلا الله، فالآية بمنطوقها تقرر النفي في: "لا إله"، وبمفهومها تقرر الإثبات في: "إلا الله"، ولا زالت ثنائية: الرب الإله مطردة في الكتاب العزيز، تلك الثنائية التي نزلت بها الكتب، وبعثت بها الرسل، وقامت بها السماوات والأرض.
وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ: تذييل يناسب المقام إذ فيه من التعريض بآلهتهم التي لا تسمع ولا تعلم، فكيف تكون آلهة وهي لا تسمع نداء عابديها ولا تعلم حالهم، في مقابل إثبات كمال ضد ذلك النقص لله، عز وجل، في سياق مؤكد باسمية الجملة، وتعريف جزأيها: "الله" و: "السميع" فضلا عن ضمير الفصل: "هو"، و: "أل" في "السميع": جنسية استغراقية لعموم معاني السمع الثابتة لله، عز وجل، على الوجه اللائق بجلاله من:
سماع الدعاء كما في قوله تعالى: (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ)
وسماع العناية بأوليائه كما في قوله تعالى: (قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى)
وسماع التهديد لأعدائه كما في قوله تعالى: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ)
وسماع الإحاطة كما في قوله تعالى: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)، فذكر السمع في الآية: فعلا ماضيا: "سمع"، وفعلا مضارعا: "يسمع"، وصيغة مبالغة: "سميع".
وكذلك الشأن في "أل" في: "العليم"، فعلمه محيط بكل الكائنات، يعلم: الكليات والجزئيات، الظاهرات والمكنونات، الماضيات والمستقبلات، (لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ).
والله أعلى وأعلم.