تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يقول سيبويه: " واعلم أنَّهم ممَّا يحذفون الكلم وإن كان أصله في الكلام غير ذلك، ويحذفون ويعوِّضون، ويستغنون بالشيء عن الشيء الَّذي أصله في كلامهم أن يُستعمل حتى يصير ساقطًا ... "، ويقول: " وما حُذِف في الكلام لكثرة استعمالهم كثير ".

ويقول كمال الدين الأنباري: " والحذف في كلامهم لدلالة الحال وكثرة الاستعمال أكثر من أن يُحصَى ".

وقد تطرَّق النحاة في تصانيفهم إلى ذكر أغراض الحذف، لكنَّها أغراض خاصَّة بالمحذوف، ولذلك فهي متفرِّقة في أبواب النحو بحسب المحذوفات.

شروط الحذف:

يذكر علماء البلاغة أنَّ " الحذف يفتقر إلى أمرين:

أحدهما: قابليَّة المقام، وهو أن يكون السامع عارفًا به لوجود القرائن.

والثاني: الداعي الموجب لرجحان الحذف على الذكر ".

وقد اهتمَّ النحاة وعلماء البلاغة بدراسة دواعي الحذف واستنباط القرائن الدالَّة على المحذوف، وقد أجمل ابن هشام الشروط الَّتي لا يجوز الحذف بغيرها فذكر ثمانية شروط:

الشرط الأول: وجود دليل للحذف، ويُفتقَرُ إلى هذا الدليل إذا كان المحذوف:

· جملة بأسرها، كقولك: زيدًا، لمن سأل: مَن أضرب؟

· أو أحد ركنيها، كما في قوله تعالى: ? قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ ?، أي سلامٌ عليكم أنتم قومٌ منكرون، فحذف خبر الأولى ومبتدأ الثانية.

· أو لفظًا يفيد معنىً فيها هي مبنيَّة عليه، كما في قوله تعالى:

? تَالله تَفْتَأُ ?، أي: لا تفتأ.

أمَّا إذا كان المحذوف فضلة فلا يشترط لحذفه وجدان الدليل، ولكن يُشترط أن لا يضرَّ حذفه بالمعنى ولا بالصناعة النحويَّة.

ويتنوَّع دليل الحذف إلى نوعين:

1 - دليل غير صناعيّ: وهو إما حاليّ، كقولك لمن رفع سوطًا: زيدًا، بإضمار (اضرِب)، أو مقاليّ، كما في قوله تعالى: ? وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْراً ?، أي: أنزلَ خيرًا.

ويُشترط للدليل اللفظيِّ أن يكون طبق المحذوف.

2 - دليل صناعيّ: وهذا لا يُعرف إلا من جهة صناعة النحو، كما في قراءة من قرأ: ? لأُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ?، فقد قالوا: إنَّ التقدير: لأنا أقسم؛ لأنَّ فعل الحال لا يقع جوابًا للقسم عند البصريِّين.

الشرط الثاني: ألاَّ يكون ما يحذف كالجزء، فلا يُحذف الفاعل ولا نائبه ولا مشبهه

(اسم كان أو إحدى أخواتها).

الشرط الثالث: ألاَّ يكون مؤكَّدًا، فلا يصحّ: الَّذي رأيت نفسه زيد؛ لما يُوقع فيه ذلك من التناقض، فالتوكيد إسهاب والحذف إيجاز، ولا يجتمعان.

الشرط الرابع: ألاَّ يؤدي حذفه إلى اختصار المختصر، فلا يحذف اسم الفعل دون معموله؛ لأنَّه اختصار للفعل.

الشرط الخامس: ألاَّ يكون المحذوف عاملاً ضعيفًا، فلا يحذف الجارُّ والجازم والناصب للفعل إلا في مواضع قويت فيها الدلالة على المحذوف وكثر فيها الاستعمال، ولا يُقاس عليها.

الشرط السادس: ألاَّ يكون المحذوف عوضًا عن شيء.

الشرط السابع: ألاَّ يؤدِّي حذفه إلى تهيئة العامل للعمل وقطعه عنه.

الشرط الأخير: ألاَّ يؤدِّي الحذف إلى إعمال العامل الضعيف مع إمكان إعمال العامل القويّ.

ويُعتبر دستورًا للدراسة النحويَّة للحذف قول ابن هشام: " الحذف الَّذي يلزم النحويَّ النظرُ فيه هو ما اقتضته الصناعة، وذلك بأن يجد خبرًا بدون مبتدإ أو بالعكس، أو شرطًا بدون جزاء أو بالعكس، أو معطوفًا بدون معطوف عليه، أو معمولاً بدون عامل ... ".

صور الحذف وأنواعه:

تتعدَّد صور الحذف في النحو العربيِّ، من حذف علامات الإعراب، وحذف أجزاء الكلمات، وحذف الأدوات، وحذف أجزاء التراكيب، وحذف الجمل، ويتنوَّع الحذف إلى نوعين:

الحذف الواجب: وهو حذف يوجبه النظام النحويُّ للجملة، بحيث يكون ذكر المحذوف خطأً، ويقع هذا الحذف في العناصر الإسناديَّة – كالمبتدأ في الجملة الاسميَّة، والفعل في الجملة الفعليَّة – عدا الفاعل.

الحذف الجائز: وهو حذف يقتضيه الموقف الاستعماليُّ، حيث يكون الذكر غير ممنوع في الصناعة لكنَّه يضرُّ بالمعنى المقصود من المتكلِّم، ويقع على العناصر الإسناديَّة وغيرها.

ويُحاط كلُّ نوع من أنواع الحذف الواجب بقواعد وشروط تنظِّم وقوعه، فلا مجال فيه لغير النظام النحويِّ، أمَّا الحذف الجائز فإنَّ أهم شرط فيه هو وجود القرينة اللفظيَّة أو المعنويَّة، وهو ما سمَّاه ابن هشام " دليل الحذف "، وجعل أحد نوعيه الدليل غير الصناعيِّ، أي الَّذي لا علاقة له بصناعة النحو، وإنَّما يكون الاحتكام فيه إلى الحال، أو إلى المنطوق - وهو الكلام الَّذي يعتمد على المسرح اللغويِّ كما يقول أ. د / أحمد كشك - ففي قول المترقِّب لرؤية الهلال: الهلال وربِّ الكعبة، دليل الحذف حاليٌّ، وتقدير المحذوف مبتدأ (هذا الهلالُ) تختلف علاقات نطقه عن تقديره فعلاً (رأيت الهلالَ)، وكذلك إذا قلنا لمن أتى بالماء: أباك، أي: اسق أباك، فالدليل على المحذوف في هذه الأساليب وأمثالها حاليٌّ، أي مُستنبَط من قرينة الحال، مع أنَّ الحكم هنا لا يصفو للحال فقط؛ فقد أعاننا على تقدير المحذوف "الاستلزام وسبق الذكر، وكلاهما من القرائن اللفظيَّة"، أمَّا الدليل المقاليُّ فهو ما يوجد في كلام منطوق في المقام نفسه، كما أسأل شخصًا: مَن عندك؟ فيقول: محمَّد، أي: محمَّد عندي.

صالح الشاعر

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير