تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[ظاهرة الحذف في النحو العربي]

ـ[صالح الشاعر]ــــــــ[09 - 02 - 2007, 11:36 م]ـ

:::

حقيقة الحذف:

من المهمِّ قبل الخوض في بيان أحكام الحذف ومسائله أن أبدأ ببيان حقيقته؛ إذ الحكم على الشيء فرع عن تصوُّره.

وقد رجعت إلى مظانِّ الحذف في قدر لا بأس به من كتب أصول النحو وفروعه، فلم أجد في ما رجعت إليه بيانًا لحقيقة الحذف أو تعريفًا له، فرجعت إلى معجم مصطلحات النحو والصرف والعروض فوجدت هذا التعريف:

الحذف: " يُراد به في النحو إسقاط كلمة من بناء الجملة، وقد تكون هذه الكلمة ركنًا من أركانها كالمبتدإ أو الخبر أو الفعل أو الفاعل، وقد تكون حرفًا، وقد تُحذف الجملة ... "، وهذا لا يعدو كونه تعدادًا لأنواع من الحذف، ولا يصحُّ أن يكون حدًّا مبيِّنًا للحذف النحويِّ، فهو أشبه بتعريف للحذف الصرفيٍّ؛ إذ يصدق أن نقول: الحذف في الصرف: إسقاط حرف من بناء الكلمة.

واطَّلعت على رسالة علميَّة من البحوث الرائدة في الموضوع – وهي رسالة (الحذف والتقدير في النحو العربي) لعلي أبي المكارم، فوجدت تعريف الحذف فيها على النحو التالي:

إسقاط لصيغ داخل النصِّ التركيبيِّ في بعض المواقف اللغويَّة، وهذه الصيغ يُفترَض وجودها نحويًّا لسلامة التركيب وتطبيقًا للقواعد، ثمَّ هي موجودة – أو يمكن أن توجد – في مواقف لغويَّة مختلفة.

وهو اجتهاد مشكور من الباحث، ولكنَّ أبرز ما يمكن أن يؤخذ على التعريف قوله: (وهذه الصيغ يُفترَض وجودها نحويًّا لسلامة التركيب وتطبيقًا للقواعد)؛ لأنَّ هذا لا يصدق على أيٍّ من نوعي الحذف:

- ففي الحذف الواجب لا يُفترض وجود المحذوف لسلامة التركيب وانضباط القواعد، بل يكون ذكره خطأً مخلاًّ بسلامة التركيب وخارقًا للقواعد.

- وفي الحذف الجائز لم يدلّ على المحذوف أنَّ غيابه أخلَّ بسلامة التركيب أو كسر القواعد - فبدهيٌّ أنَّ المحذوف جوازًا يجوز حذفه وذكره من غير أن يوصف التركيب بالغلط النحويِّ - وإنَّما دلَّ عليه أنَّه ذُكر في استعمال آخر ولغرض آخر؛ فاللغة استعمال قبل أن تكون قواعد.

وإذا كان لي أن أُدلي بدلوي لأقدِّم تعريفًا نحويًّا للحذف فقد راجعت أحوال الحذف وأحكامه وخرجت منها بهذا التعريف:

الحذف الجائز: تعمُّد إسقاط عنصر (إسناديٍّ أو غيره) من عناصر بناء النصِّ؛ لغرض، مع سماح النظام النحويِّ بذكره، ومع دلالة باقي عناصر النصِّ عليه، وإمكان ذكر هذا العنصر في مقام آخر ولغرض آخر.

الحذف الواجب: إسقاط عنصرٍ إسناديٍّ من نصٍّ لا يسمح النظام النحويُّ بذكره فيه، مع دلالة الأصل التركيبيِّ للنصِّ عليه، وامتناع ذكره في كلِّ الأحوال.

قيمة الحذف ومزاياه:

يرتبط الحذف ارتباطًا وثيقًا بمعنى القول ودلالته وقدرته على التأثير؛ فهو وسيلة للإيجاز الَّذي هو أحد مقاصد العربيَّة، والحذف في مقامه يهذِّب الجمل، ويزيد نصيبها من البلاغة والرونق، ويقوِّي قدرتها على إيصال المعنى المراد.

تحت عنوان (القول في الحذف) يقول الإمام عبد القاهر: " هو باب دقيق المسلك، لطيف المأخذ، عجيب الأمر، شبيه بالسحر، فإنَّك ترى به ترك الذكر أفصح من الذكر، والصمت عن الإفادة أزيد للإفادة، وتجدك أنطقَ ما تكون إذا لم تنطق، وأتمَّ ما تكون بيانًا إذا لم تُبِنْ.

ويذكرعلماء البلاغة للحذف ثلاث مزايا، هي:

1 - إيجاز العبارة.

2 - زيادة رونقها وصيانتها من الثقل والترهُّل الَّذين يحدثهما ذكرُ المعلوم للقرينة.

3 - بناؤها على إثارة فكر المتلقِّي وخياله في الاستدلال على جزء المعنى الَّذي لم يُذكر اللفظ الدالُّ عليه.

هذا ما يُذكر مَزِيَّةً عامَّةً للحذف، ويبقى وراء كلِّ تعبير سرٌّ خاصٌّ به قائم على اختلاف المقامات والأحوال والأغراض.

أغراض الحذف وأدلته:

إذا نظرنا في كتاب سيبويه وجدناه ينصُّ في مواضع كثيرة على ضرورة الحذف لأسباب أدخلها البحث الحديث في فنِّ البلاغة، كالتخفيف والإيجاز والسعة، ويبيِّن أنَّ العرب قد جرت عادتها على الحذف، وحبَّذتْه في غير موضع.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير