[الفصل والاعتراض في النحو العربي]
ـ[صالح الشاعر]ــــــــ[17 - 02 - 2007, 06:04 م]ـ
:::
يهتمُّ هذا البحث بالتراكيب الَّتي ترد في السياق فتقطع الاتِّصال والتجاور بين عنصرين من عناصره قبل تمام الفائدة على خلاف الأصل، وهذه التراكيب تكون دون الجملة فيُسمَّى ورودها (الفصل)، وتكون جملة فيُسمَّى ورودها (الاعتراض).
مفهوم الفصل:
يُراد بالفصل أن يأتي عنصر دون الجملة – أي غير مستقلٍّ بالإفادة – لا ينتمي إلى السياق الأصليِّ للتركيب، فيقع فيه بين عنصرين متلازمين – بجامع الصلة، أو الإسناد، أو المجازاة، أو نحو ذلك – مخالفًا بذلك مطلب التضامّ.
ويتنوَّع عنصر الفصل إلى أنواع، أشهرها: القَسَم، والظرف، والجارُّ والمجرور، والنداء (وإن لم يعتدّ به ابن جنِّي فاصلاً؛ لكثرته في الكلام).
والعنصران اللذان يقع الفصل بينهما قد يكونان اسمين (كالفاعل والمفعول)، أو فعل ومطلوبه (كالفعل والفاعل)، أو حرف وما دخل عليه (كحرف العطف والمعطوف)، ولهذا التنوُّع تفرَّق حديث النحاة عن ظاهرة الفصل في أبواب النحو بحسب هذه العناصر.
والفصل من حيث هو مصطلح نحويٌّ يختلف عن الفصل البلاغيّ الَّذي يتحقَّق بعدم استعمال حرف العطف، والَّذي يقابلون بينه وبين الوصل بعطف الجمل بعضها على بعض.
مفهوم الاعتراض:
الاعتراض كالفصل، إلاَّ أنَّ الفاصل فيه يكون جملةً مستقلَّة بالإفادة، سواء كانت خبريَّة أو إنشائيَّة، ولا يكون لها محلٌّ من الإعراب، لكنَّها لا تنفكُّ عن الجملة الأصليَّة الَّتي دخلها الاعتراض، ولا تزول عنها من حيث معناها.
ويمكن تعريف الاعتراض بأنَّه: اعتراض مجرى النمط التركيبيّ للجملة بتركيبٍ مستقلٍّ يَحُول دون اتِّصال عناصر الجملة بعضها ببعض اتِّصالاً تتحقَّق به مطالبُ التضامِّ النحويِّ فيما بينها.
وحاصل الاعتراض أنَّه جملةٌ لا محلَّ لها من الإعراب " تتوسَّط بين أجزاء جملة مستقلَّة أخرى ".
وتقع الجملة المعترضة في عدَّة مواضع أحصى منها ابن هشام سبعة عشر موضعًا، كالمعترضة بين الفعل ومرفوعه، وبين المبتدإ وخبره، وبين ما أصله المبتدأ والخبر، وبين الشرط وجوابه، وبين القسَم وجوابه، وبين الموصول وصلته ....
قواعد الفصل:
للفصل قواعد وأحكام منثورة في كتب النحو، لكنَّ كلاًّ منها مخصوص بموضعه، فلا يوجد من القواعد العامَّة لهذه الظاهرة سوى النزر اليسير، كقول ابن جنِّي: " وعلى الجملة فكلَّما ازداد الجزءان اتِّصالاً قَوِيَ قُبْحُ الفصل بينهما "، وقول العكبَريّ: " الفصل بين العامل والمعمول بالأجنبيّ لا يجوز "، أمَّا ما عدا ذلك فهي أحكام خاصَّة بمواضعها من أبواب النحو الَّتي يقع فيها الفصل، كباب الإضافة، وباب النعت، وباب العطف، وغيرها، وهي أحكام تبيِّن ما يجوز الفصل به في موضعٍ ما وما لا يجوز من ذلك، والقاعدة الأساسيَّة في ذلك اتِّصال الفاصل بمعنى الجملة بألاَّ يكون أجنبيًّا.
قواعد الاعتراض:
قد ذكر النحاة من قواعد الاعتراض وشروطه ثلاثة أمور، فاشترطوا في الجملة المعترضة:
1 - أن تكون مناسبةً للجملة الَّتي دخلها الاعتراض، بحيث تكون كالتأكيد أو التنبيه على حالٍ من أحوالها، وهذا مؤدَّاه أن تكون متَّصلةً بها في المعنى، وقد ذكر ابن هشام أنَّ الجملة المعترضة تفيد الكلام " تقويةً وتسديدًا أو تحسينًا "، فاتِّصالها بمعنى الكلام يزيد فيه ويحسِّنه، وإذا لم يُراع هذا الاتِّصال فسد المعنى، وهذا ما لاحظه ابن الأثير حين جعل الاعتراض على قسمين: أحدهما لا يأتي في الكلام إلاَّ لفائدة فيجري مجرى التوكيد، والآخر يأتي لغير فائدة فيكون دخوله كخروجه أو يؤثِّر في تأليفه نقصًا وفي معناه فسادًا.
2 - أن لا تكون معمولةً لشيءٍ من أجزاء الجملة الَّتي دخلها الاعتراض؛ لأنَّ " الاعتراض لا موضع له من الإعراب، ولا يعمل فيه شيءٌ من الكلام المعترَض به بين بعضه وبعض "، ولهذا يصحُّ سقوط الجملة الاعتراضيَّة ولا يؤدِّي سقوطها إلى اختلاف في التركيب ولا في أصل المعنى.
¥