تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[التقديم والتأخير في النحو العربي]

ـ[صالح الشاعر]ــــــــ[22 - 02 - 2007, 02:42 م]ـ

مفهوم التقديم والتأخير:

يراد بالتقديم والتأخير أن تخالف عناصر التركيب ترتيبها الأصليّ في السياق فيتقدَّم ما الأصل فيه أن يتأخَّر ويتأخَّر ما الأصل فيه أن يتقدَّم.

والحاكم للترتيب الأصليّ بين عنصرين يختلف إذا كان الترتيب لازمًا أو غير لازم، فهو في الترتيب اللازم (الرتبة المحفوظة) حاكمٌ صناعيٌّ نحويّ، أمَّا في غير اللازم (الرتبة غير المحفوظة) فيكاد يكون شيئًا غير محدَّد، ولكن توجد بعض الأسباب العامَّة الَّتي قد تفسِّر الترتيب الأصليّ – بنوعيه - بين عنصرين، وهي مختلفة في اعتباراتها، فمنها ما اعتباره معنويّ، ومنها ما اعتباره لفظيّ، أو منطقيّ، أو صناعيّ، ومن أهمّ هذه الأسباب:

1 - أن تكون العلاقة بين العنصرين علاقة المحكوم عليه بالحكم، فمقتضى الأصل أن يتقدَّم المحكوم عليه ويتأخَّر الحكم، كتقدُّم المبتدإ على الخبر.

2 - أن تكون العلاقة بينهما علاقة العامل بالمعمول، فمقتضى الأصل أن يتقدَّم العامل ويتأخَّر المعمول، كتقدُّم الفعل على المفعول.

3 - أن تكون العلاقة بينهما علاقة المقدِّمة بالنتيجة، فمقتضى الأصل أن تتقدَّم المقدِّمة وتتأخَّر النتيجة، كتقدُّم فعل الشرط على جواب الشرط.

4 - أن تكون العلاقة بينهما علاقة الكلِّ بالجزء المقتطَع منه، فمقتضى الأصل أن يتقدَّم الكلُّ ويتأخَّر الجزء، كتقدُّم المُستثنى منه على المُستثنى.

5 - أن يكون تقدُّم عنصرٍ ضروريًّا لحفظ تقسيمٍ معلوم من اللغة بالضرورة، كتقدُّم الفعل على الفاعل؛ لما عُلم من وجود جملة فعليَّة تقف جنبًا إلى جنب مع الجملة الاسميَّة مكوِّنةً معها أساسًا ثنائيًّا لورود الجمل.

وللتقديم والتأخير علَّة هي الرتبة، فالرتبة مبدأٌ نحويٌّ لولاه لم يكن ثَمَّ تقديمٌ ولا تأخير، فما الرتبة؟ وما أنواعها؟

الرتبة قرينةٌ نحويَّةٌ من قرائن المعنى، يمكن تعريفها بأنَّها جزءٌ من النظام النحويِّ " يحدِّد موقع الكلمة من بناء الجملة " ويفرض لكلمتين بينهما ارتباط أن تأتي إحداهما أوَّلاً والأخرى ثانيًا، ويمتنع العكس إذا كانت الرتبة محفوظة، أمَّا إذا كانت الرتبة غير محفوظة فيجوز أن تتقدَّم إحدى الكلمتين في تعبيرٍ وتتأخَّر في تعبيرٍ آخر من غير اتِّصاف أحد التعبيرين بالخطأ النحويِّ.

وهناك تجاذبٌ بين الرتبة والإعراب، فالرتبة في اللغات غير الإعرابيَّة تُحدِّد الوظيفة التركيبيَّة لأجزاء الجملة، أمَّا في اللغات الإعرابيَّة فتظهر مرونة الرتبة وإتاحتها حرِّيَّة الحركة لتلك الأجزاء؛ بسبب تكفُّل الإعراب بتحديد الوظيفة التركيبيَّة لها، فإذا خفي الإعراب انتفى ذلك ووجب الالتزام بالرتبة.

والفرق بين الرتبة المحفوظة وغير المحفوظة أنَّ الترتيب السياقيَّ للكلمات في حالة الرتبة المحفوظة يُراعى في نظام اللغة وفي الاستعمال، ولا يقع خلافه إلاَّ موصوفًا بالخطأ النحويِّ، أمَّا في حالة الرتبة غير المحفوظة فترتيب الكلمات في السياق أصلٌ افتراضيٌّ اتَّخذه النظام النحويُّ، وقد يُحتِّم الاستعمال – حسب المقام والغرض – خلافه بتقديم المتأخِّر.

ويُوصَف العنصر المتقدِّم في الرتبة المحفوظة بأنَّه متقدِّم وجوبًا - ومن ذلك تقدُّم الموصول على الصلة، والموصوف على الصفة، وحرف الجرِّ على المجرور، وغيرها– أمَّا في الرتبة غير المحفوظة – كالَّتي بين المبتدإ والخبر، والفاعل والمفعول به، والضمير والمرجع، وغير ذلك – فالتقديم والتأخير اختيارٌ أسلوبيٌّ جائزٌ للمتكلِّم بحسب ما يعبِّر عن غرضه ويُفهِم معناه المقصود.

وقد يُلغى هذا الاختيار وتُحفَظ الرتبة؛ إمَّا لاتِّقاء لبس، كما في (ضرب موسى عيسى)، أو لاتِّقاء مخالفة القاعدة، كما في (رأيتُكَ)، فانتقال الرتبة من دائرة الرتبة غير المحفوظة إلى دائرة الرتبة المحفوظة أمرٌ وارد.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير