تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[بين النحو والمعنى في لغة الشعر]

ـ[صالح الشاعر]ــــــــ[05 - 02 - 2007, 05:41 م]ـ

:::

من المعلوم أنَّ لكلِّ فنَّانٍ مادَّة يعمل فيها، " فهو يبني بالحجر أو باللون أو بالكلمات "، والكلمات هي المادَّة الَّتي يعمل فيها الأديب، و" العمل الأدبيُّ لا يُدرَك إلاَّ من خلال لغته ".

وتُعدُّ الدراسات اللغويَّة مطلبًا مُهمًّا لفهم المعنى، فهو موضوعها الأوَّل والأخير، أو هكذا ينبغي أن يكون.

وارتباط دراسة النحو بالمعنى والمضمون غايةٌ يدعو إليها كثيرٌ من أساتذة اللغة العربيَّة، ويؤكِّدون على ضرورة مزج معطيات علم النحو بمعطيات علم المعاني لتنظيم دراسة الفصحى على أساس جديد.

والمزاوجة بين النحو والمعنى ليست بدعًا ابتدعه باحثونا المحدثون، إنَّما هو عودةٌ إلى ما قرَّره علماء النحو الأوائل من أهمِّيَّة المعنى للنحو، وارتباطهما على نحوٍ لا يمكن معه فصلهما إلاَّ بخسارةٍ بيِّنةٍ لكليهما.

ومن العبارات الجامعة في بيان أهمِّيَّة المعنى قول المبرِّد: " فكلُّ ما صلح به المعنى فهو جيِّد، وكلُّ ما فسد به المعنى فهو مردود "، وهي عبارةٌ صريحةٌ في جعل المعنى معيارًا للحكم النحويِّ.

ومن الأصول الَّتي رفعت من قيمة المعنى قول ابن جنِّي: " وذلك أنَّك تجد في كثيرٍ من المنثور والمنظوم الإعراب والمعنى متجاذبَيْن، هذا يدعوك إلى أمرٍ، وهذا يمنعك منه، فمتى اعتورا كلامًا ما أمسكتَ بعروة المعنى، وارتحتَ لتصحيح الإعراب "، وهو بهذه العبارة " أمسكتَ بعروة المعنى " يجعل المعنى هو الغاية الأولى، وقد أرجع ابن جنِّي أكثر الآراء المختلفة والأقوال المستشنعة إلى مراعاة ظواهر التراكيب دون البحث عن سرِّ معانيها ومعاقد أغراضها، وهذا ليس غريبًا منه؛ فهو الَّذي أكَّد " غلبة المعنى للَّفظ وكون اللفظ خادمًا له" بناءً على علمه بلغة العرب الَّتي وجدها في بعض الأحيان " تحمل على ألفاظها لمعانيها حتَّى تُفسِد الإعراب لصحَّة المعنى ".

ولم يكن ابن جنِّي آخر من دعا إلى الاهتمام بالمعنى، فهذا ابن هشام حين ذكر الجهات الَّتي يدخل الاعتراض على المعرب من جهتها جعل أوَّلها: أن يُراعي ما يقتضيه ظاهر الصناعة ولا يُراعي المعنى، وجعل أوَّل واجبٍ على المعرِب أن يفهم معنى ما يُعرِبه، فكم زلَّت الأقدام بسبب هذا الفصل بين صنعة النحو والمعنى.

لا جدال إذن في أهمِّيَّة دراسة النحو على أساس المعنى؛ فهي ضرورةٌ فوق كلِّ ضرورة، وهي تُكسِب موضوعات النحو جِدَّةً وطرافة، وتُبرز مزايا اللغة العربيَّة الدافقة بالحيويَّة، الحافلة بالمعاني الدقيقة الجميلة، وتجعلنا نرى النحو على حقيقته، " على أنَّه تحصيل الخبرات المتنوِّعة بأساليب العربيَّة وتراكيبها، لا على أنَّه التمييز بين صحَّة الكلام وخطئه فحسب ".

وتكمن أهمِّيَّة المعنى في أنَّه قوام اللغة، فاللغة أصواتٌ، إلاَّ إذا عبَّرت عن معنى فحينئذٍ تكون لغة، ولا انفصام بين الشكل والمحتوى؛ لأنَّه لا وجود لأيٍّ منهما بدون الآخر، وانتزاع أحدهما من الآخر قتلٌ للاثنين؛ إذ لا يظلُّ شيءٌ من شكل القصيدة ولا بنيتها العروضيَّة ولا علاقاتها الإيقاعيَّة عندما تُفصَل عمَّا تحتويه من معنى.

والمعنى الَّذي تهتمُّ به الدراسات اللغويَّة الحديثة تدعو الحاجة المنهجيَّة إلى جعله ثلاثة معانٍ فرعيَّة:

أحدها: المعنى الوظيفيّ، وهو وظيفة الجزيء التحليليّ في النظام أو في السياق على حدٍّ سواء.

والثاني: المعنى المعجميّ للكلمة، وكلاهما – الأوَّل والثاني – متعدِّدٌ ومحتملٌ خارج السياق، وواحدٌ فقط في السياق.

والثالث: المعنى الاجتماعيّ، أو معنى المقام، وهو أشمل من سابقَيْه ويتَّصل بهما على طريق المكامنة؛ لأنَّه يشملهما ليكون بهما وبالمقام معبِّرًا عن معنى السياق في إطار الحياة الاجتماعيَّة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير