وهذا التقدير ممتنع على قراءة فتح الياء في "يَضلُّ" لما فيه من الإخلال وفساد المعنى.
7ـ أن "أعلمُ" ليست في معنى التفضيل، ويكون في معناها حينئذ قولان:
**أن تكون بمعنى "يعلم"؛ والتقدير: (يعلم من يضل عن سبيله). وذكره الرازي ورد على الاعتراض القائل بأن هذا التقدير يفهم منه حصول التفاوت في علم الله ـ حاشاه تعالى ـ، فقال إن الفعل "أعلمُ" قصد منه مزيد العناية بهداية المهتدين لا حصول التفاوت، وهذا تأويل بعيد كما هو واضح.
**أو تكون بمعنى اسم الفاعل؛ وقال الواحدي معترضا عليه: ((ولا يجوز ذلك لأنه لا يطابق "وهُوَ أعلمُ بالمُهتدينَ")).
والذي يلوح لي أن جميع هذه التأويلات لا تسلم من الاعتراضات، قلت أو كثرت، إلا أن أقربها حسب رأيي الذي بنيته على استقراء أقوال المفسرين والنحاة هما التأويلان القائلان بالنصب بفعل بمضمر، والنصب على نزع الخافض.
فأما الأول فموافق لقواعد البصريين الذين ذهبوا إلى عدم إعمال اسم التفضيل في المفعول به، إضافة إلى ترجيحه واختياره من قبل البعض.
وأما الثاني فسأنقل لكم قول الطاهر بن عاشور في تفسيره "التحرير والتنوير" منتصرا له ومدافعا عنه ــ وما أحسن ما قال ــ:
((و"أعلمُ" اسمُ تفضيل للدّلالة على أنّ الله لا يعزب عن علمه أحد من الضالّين، ولا أحد من المهتدين، وأنّ غير الله قد يعلم بعض المهتدين وبعض المضلّين، ويفوته علم كثير من الفريقين، وتخفَى عليه دخيلة بعض الفريقين.
والضّمير في قوله: "هو أعلم" ضمير الفصل، لإفادة قصر المسند على المسند إليه، فالأعلمية بالضالّين والمهتدين مقصورة على الله تعالى، لا يشاركه فيها غيره، ووجه هذا القصر أنّ النّاس لا يشكّون في أنّ علمهم بالضالّين والمهتدين علم قاصر، لأنّ كلّ أحد إذا علم بعض أحوال الناس تخفى عليهم أحوال كثير من النّاس، وكلّهم يعلم قصور علمه، ويتحقّق أن ثمّة من هو أعلم من العالِم منهم، لكنّ المشركين يحسبون أنّ الأعلمية وصف لله تعالى ولآلهتهم، فنفي بالقصر أن يكون أحد يشارك الله في وصف الأعلميّة المطلقة.
و"مَنْ" موصولة، وإعرابها نصب بنزع الخافض وهو الباء، كما دلّ عليه وجود الباء في قوله: "وهو أعلم بالمهتدين" لأنّ أفعل التّفضيل لا ينصب بنفسه مفعولاً به لضعف شبهه بالفعل، بل إنّما يتعدّى إلى المفعول بالباء أو باللاّم أو بإلى، ونصبه المفعول نادر، وحقّه هنا أن يُعدَّى بالباء، فحذفت الباء حذف إيجاز تعويلا على القرينة. وإنَّما حُذف الحرف من الجملة الأولى وأظهر في الثّانية، دون العكس، مع أنّ شأن القرينة أن تتقدَّم، لأنّ أفعل التّفضيل يضاف إلى جمعٍ يكون المفضَّل واحداً منهم، نحو: هو أعلم العلماء وأكرم الأسخياء، فلمّا كان المنصُوبانِ فيهما غير ظاهر عليهما الإعراب، يلتبس المفعول بالمضاف إليه، وذلك غير ملتبس في الجملة الأولى، لأنّ الصّلة فيها دالّة على أنّ المراد: أنّ الله أعلم بهم، فلا يتوهّم أن يكون المعنى: الله أعلم الضّالّين عن سبيله، أي أعلم عالممٍ منهم، إذ لا يخطر ببال سامع أن يقال: فلان أعلم الجاهلين، لأنّه كلام مُتناقض، فإنّ الضّلال جهالة، ففساد المعنى يكون قرينة على إرادة المعنى المستقيم، وذلك من أنواع القرينة الحاليَّة، بخلاف ما لو قال: وهو أعلم المهتدين، فقد يتوهّم السّامع أنّ المراد أنّ الله أعلم المهتدين، أي أقوى المهتدين علماً، لأنّ الاهتداء من العلم. هذا ما لاح لي في نكتة تجريد قوله: "هو أعلم من يضل عن سبيله" من حرف الجرّ الّذي يتعدّى به "أعلم")).
ـ[الحامدي]ــــــــ[17 - 02 - 2007, 07:35 م]ـ
الشكر للأخ ضاد على طرح الموضوع، وللأخ مغربي على مشاركته القيمة.