وممن تكلموا فيها إنكارا أو تضعيفا الفراء، والأخفش، والزجاج، ومكي بن أبي طالب، وأبو عبيد، والزمخشري.
على أنه لا التفاتَ إلى من ضعفها أو أشذها؛ لأن القراءة سبعية متواترة، وكتاب الله لا يحمل على الشذوذ، ويمتنع فيه الخطأ، فلا يجوز وصف كلمة فيه بالخطإ أو الرداءة.
وقد تعددت الآراء في تأويل كسر الياء في كلمة "بِمُصْرِخِيِّ"؛ وأهمها:
1ــ أن الكلمة مكونة من ثلاثة ياءات: الأولى للجمع، والثانية للإضافة (ياء المتكلم)، أما الثالثة فهي ياء زيدت للمد؛ ثم حُذفت ياء المد، فبقيت الياء المشددة مكسورة.
وإلى هذا الرأي ذهب مكي بن أبي طالب كما ذكر في كتابه "مشكل إعراب القرآن".
2ــ حملَ الفراءُ هذه القراءة على توهم القراء الثلاثة أن الباء في "بِمُصْرِخِيِّ" هي الخافضة لآخرها. والقراء الثلاثة الذين قرأوا بالكسر هم يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة.
وهذا ليس بصحيح، فقد ذكر الألوسي أن الياء كسرت على الأصل في التخلص من التقاء الساكنين فالأصل: (بمصرخين لي)، فأضيف وحذفت نون الجمع للإضافة، فالتقت ياء الجمع الساكنة وياء المتكلم والأصل فيها السكون، فكسرت لالتقاء الساكنين، وأدغمت.
فيبعُدُ أن يقع وهمٌ كهذا ممن هو دون هؤلاء القراءِ علما وفقها، وهذه القراءة ليست رأيا أو اجتهادا منهم، بل نقلوها إلينا بأسانيدهم المتواترة. فكيف نتهمهم بمثل هذا الظن؟؟.
3ــ أن الياء كُسِرتْ مراعاة ومطابقةً لكسرة همزة "إِنِّي" بعدها في قوله تعالى: "وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ".
4ــ أن كسرة الياء المشددة في " بِمُصْرِخِيَّ" إتباعٌ لكسرة الخاءِ قبلها ".
5ــ أن الكسرة في الياء كسرةُ بناء لا إعرابٍ، والعلةُ فيها التقاء الساكنين، وإن كان الفتح أخف.
والصحيح من هذه الأقوال أن كسرَ ياء الإضافة ومنها الياء المشددة في "بِمُصْرِخِيِّ" لغة صحيحة ثابتة، وممن قال بذلك ابن الأنباري، وأبو حيان، والألوسي، وأبو عمرو بن العلاء، والمرادي، والقشيري، وغيرهم.
قال الألوسي: " وبالجملة لا ريبَ في صحة تلك القراءة وهي لغة فصيحة، وقد رُويَ أنه تكلم بها رسول الله:= في حديث بدء الوحي وشرحِ حاله عليه الصلاة والسلام لورقة بن نوفل: r فإنكارها محض جهالة".
ونسب إلى قطرب قوله: "أنها لغة في بني يربوع فإنهم يكسرون ياء المتكلم إذا كان قبلها ياء أخرى ويصلونها بها".
وبنو يربوع من تميم، وهي من أرقى قبائل العرب التي تؤخذ عنها العربية.
ومن السماع الذي يعضد هذه القراءة: قراءة أبي عمرو بن العلاء كلمة "يا بنيَّ" بكسر الياء في ستة مواضع، وهو إمام من أئمة اللغة والنحو والقراءة.
ومن الشواهد الشعرية:
ـ قول الأغلب العجلي:
ماض إذا ما همَّ بالمضيِّ = قال لها: هل لك يا تا فيِّ؟
ـــ قول النابغة الذبياني:
عليِّ لعمرٍو نعمة بعد نعمة = لوالده ليستْ بذات عقاربِ
أما من جهة القياس: فإن الأصل في التقاء الساكنين أن يؤدي إلى الكسر، كما ذكره الزمخشري وابن الأنباري وغيرهما.
ـ[الحامدي]ــــــــ[19 - 02 - 2007, 07:42 م]ـ
الشكر لابنة الإسلام وللمعشي على مرورهما ومشاركتيهما القيمتين.
وأثمن التحليل الذي قدمه المعشي عن تأويلات الآية ووجوهها، فبورك فيه.