- يذهب أبو حيان إلى أن صفة الجمع الذي لا يعقل - وهو في مسألتنا (أيام) - تأتي على وجهين؛ فالجمع تارة يعامل معاملة الاسم المؤنث المفرد، فتأتي صفته بـ (التاء) المربوطة؛ وتارة يعامل معاملة جمع المؤنث السالم، فتأتي صفته بـ (الألف) و (التاء) المبسوطة؛ فمثال ما عومل معاملة الاسم المؤنث المفرد، قوله تعالى: {وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة} (البقرة:80) حيث جاءت الصفة هنا {معدودة} معاملة الاسم المؤنث المفرد؛ ومثال ما عومل معاملة جمع المؤنث السالم، قوله تعالى: {ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات} (آل عمران:24) فـ {معدودات} جمع لـ {معدودة} وعوملت هنا معاملة جمع المؤنث السالم؛ مع أنه لا يصح لك، ولا يستقيم لغة أن تقول: يوم معدودة، إنما الصواب أن تقول: يوم معدود؛ لأنه مذكر، لكن جاز ذلك في جمعه، فهما طريقان فصيحان لغة؛ كما تقول: جبال شامخة، وجبال شامخات، وأعمدة راسخة، وأعمدة راسخات. فتجعل صفة جمع التكسير للمذكر الذي لا يعقل، تارة كصفة الاسم المؤنث المفرد، وتارة كصفة جمع المؤنث السالم. فكما تقول: نساء قائمات، كذلك تقول: جبال راسيات. قال أبو حيان: وذلك مقيس مطرد فيه، أي: هذان الطريقان صحيحان، ومستقيمان في لسان العرب.
فأبو حيان - كما ترى - يجعل كلا الاستعمالين صحيحين فصيحين ومستقيمين لغة، ويفيد قوله أن كلا الاستعمالين مسموع في كلام العرب، والقرآن جاء على وفاقهما، فمرة جاء بهذا، وتارة أتى بذاك. فليست المسألة - وَفْقَ أبي حيان - مسألة أصل وفرع، وإنما المسألة بمسلكيها أصل برأسه.
أما الشيخ ابن عاشور - رحمه الله - فقد وافق أبا حيان فيما ذهب، ولم يعرج على قول لغيره، بَيْدَ أنه رأى في المسألة تحقيقًا، غفل عنه أبو حيان، ينبغي أن يُلتفت إليه، فقال بعد أن ذكر قول أبي حيان في المسألة: " ويظهر أنه ترك فيه تحقيقًا؛ وذلك أن الوجه في الوصف الجاري على جمع مذكر إذا أنثوه، أن يكون مؤنثًا مفردًا؛ لأن الجمع قد أُوِّل بالجماعة، والجماعة كلمة مفردة، وهذا هو الغالب. غير أنهم إذا أرادوا التنبيه على كثرة ذلك الجمع، أجروا وصفه على صيغة جمع المؤنث؛ ليكون في معنى الجماعات، وأن الجمع ينحل إلى جماعات كثيرة، ولذلك فأنا أرى - والكلام ل ابن عاشور - أن {معدودات} أكثر من {معدودة} ولأجل هذا قال تعالى: {وقالوا لن تمسسنا النار إلا أياما معدودة} (البقرة:80) لأنهم يقللونها غرورًا أو تغريرًا، وقال هنا {معدودات} لأنها ثلاثون يومًا، وهذا مثل قوله في جمع (جمل) {جمالات} (المرسلات:33) على أحد التفسيرين، وهو أكثر من (جِمال). هذا نص كلام ابن عاشور تقريبًا.
ف ابن عاشور لم يتوقف في المسألة عند القول: إنها من باب الأصل والفرع، كما ذهب إلى ذلك الرازي؛ ولم يتوقف في المسألة أيضًا عند قول أبي حيان - على صوابه - من أن الوجهين صحيحان لغة، ومستقيمان لسانًا؛ ويذهب في الأمر أبعد من ذلك؛ ويرى أن المسألة لا ينبغي أن يوقف بها عند قواعد اللغة فحسب، بل ينبغي أن تفهم فهمًا أبعد من ذلك، فهمًا يقوم على أساس فقه اللغة وأسرارها. ولأجل هذا الملحظ، يرى ابن عاشور في المسألة معنى زائدًا وكاشفًا عن مقصود المغايرة بين اللفظين القرآنيين. ويقوَّي ما ذهب إليه ابن عاشور القاعدة البلاغية التي تقول: إن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى؟
هذا، ولم تخرج كتب النحو واللغة عما تقرر ذكره آنفًا، فهي تقول في هذا: يجوز أن يُنعت جمع غير العاقل بمفرد مؤنث، فأنت تقول: زارني فلان قبل أيام معدودة، أو أيام معدودات؛ وتقول أيضًا: ليس حول دمشق جبال شاهقة، أو جبال شاهقات. فجاء الوصف في كلا المثالين ونحوهما تارة بصيغة المفرد، وأخرى بصيغة الجمع. فدل على أن كلا الاستعمالين صحيحان لغة وفصيحان لسانًا. وبهذا يُعلم أن اللفظ القرآني في موضعيه، قد جاء على وَفْق اللغة وقواعدها.
ورابط هذا المقال هو كالتالي: http://www.islamweb.net/ver2/archive/readArt.php?lang=A&id=114621
أتمنى أن تزول حيرتك أيها الطائر الحائر.
مع تحياتي.
ـ[خالد مغربي]ــــــــ[19 - 02 - 2007, 04:39 م]ـ
بورك النقل أخي الحامدي
نفع الله بك، ثم تعال هنا!! ألم تفتح بريدك؟!
ـ[فتى اللغة العربية]ــــــــ[23 - 02 - 2007, 09:29 م]ـ
اسمحوا لي بالقول ملتمسا العذر لو حدث تكرار؛ لأنه لطول الرد المقتبس وضيق الوقت أقول إن تلزم تطابق النعت مع منعوته والخبر مع المبتدأ في النوع والعددوذلك مع العاقل أما مع غير العاقل فيجوز التطابق أو عدمه.