تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من مكاسب العلمانية]

ـ[مهاجر]ــــــــ[23 - 08 - 2010, 04:21 م]ـ

يحدثني بعض الأقارب ممن يقيم الآن في فرنسا لإنجاز دورة تدريبية، عن حال الأمة الفرنسية العلمانية، فهي معدن هذا المذهب الفكري، وعن مدى احترام الفرنسيين للحريات الشخصية إلى درجة يأباها الشرع، فقد عطلت فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلكل أن يفعل ما يشاء، تحت مظلة الحرية، حتى صار إفطار المسلمين في نهار رمضان أمر مألوفا لا يستحى منه، ولو أمام المسلمين!، وصارت صداقة المسلمة للنصراني خارج إطار الزوجية، لو صح أنها صداقة! ولو فرض جدلا أن ثم زوجية صحيحة في هذه الصورة فهي باطلة شرعا بل قد يكفر فاعلها إذا أقدم عليها مستبيحا بلسان المقال أو الحال، فصار ذلك، أيضا، أمرا مألوفا، فليس ذلك من شأنك لتتدخل فيه، ولو بالنصح والإرشاد، فإن أردت الصيام فصم، وإن أردت الإفطار بل والمجاهرة به فافعل، وإن أردت أن تخالل فلانة أو فلانة فأنت وشأنك، ومع ذلك يظل هناك نوع احترام متبادل، في العلاقات البينية، كالعمل والبيع والشراء ...... إلخ، فلا تكاد تقع صراعات وشجارات كتلك التي تحدث في بلادنا، فأنت آمن على أقل تقدير، على دينك، ولو على المستوى الشخصي، فلن تسمح العلمانية بأكثر من ذلك، وآمن على دمك ومالك في ظل قانون أرضي قاصر، بل مخالف لشريعة السماء، ولكنه على أقل تقدير يطبق بعدالة تسوي، في الجملة، بين المواطنين، باستثناء بعض التصرفات الصبيانية من ساركوزي تملقا لليمين المتطرف من قبيل: التهديد بسحب جنسية الفرنسي ذي الأصول الأجنبية، أي الإسلامية!، إن تعدى على شرطي أو رجل قضاء بإشهار سلاح أو نحوه، فلا يسري هذا الأمر بطبيعة الحال على الفرنسي الأصيل.

فهو مجتمع يسير وفق ميكانيكية منضبطة، فلا تكاد تجد فيه أي ملمح من ملامح المشاعر الإنسانية، كما يحدثني ذلك القريب، فكلٌ يعمل بانتظام كالآلات الصماء التي تنتج إنتاجا ماديا متميزا، بلا هدف يتجاوز حدود هذه الحياة، وهو ما ينشأ عنه، لزوما، فراغ روحي هائل، وإفراط في تعاطي الشهوات والملذات المحسوسة، هربا من ذلك الضغط النفسي الهائل، وقد كنا بالأمس نفاخر بأن الشرق بروحانيته، إن صح هذا المصطلح، يتفوق على الغرب بمادياته، فإن تفوق علينا في الجوانب المادية فلن يضارعنا في الجوانب المعنوية، ثم قد استوينا معهم في المادية، بل فاقهم كثير منا، وحال كثير من المهاجرين، كما يحدثني ذلك القريب، خير شاهد على ذلك، فقد أعطوا انطباعا سيئا عن الإسلام لعدم التزامهم بأحكامه، فصار الفرنسيون أفضل منهم فهم، على الأقل متفوقون في الأمور الدنيوية، بخلاف أولئك فلا دين ولا دنيا، بل تحذر القنصليات والمراكز الثقافية العربية من يفد على فرنسا من أبناء الدول العربية، تحذرهم، أول ما تحذرهم، من العرب!، كما قد جرى لذلك القريب الذي أنقل عنه، فالصورة الآن: حريات منتهكة في دول العالم الإسلامي بما فيها حرية المعتقد، كما يجري الآن في مصر في مسألة خذلان المسلمات وتسليمهن إلى الكفار، ومع ذلك لا دنيا تشيع البطون وتسكت الجياع، وفي الغرب: فراغ روحي هائل، فالجانب العقدي مختل، أيضا، ولكن هناك قدر أكبر من الحريات، بما فيها حرية المعتقد، ولو على المستوى الشخصي، ومع ذلك تقدم دنيوي هائل يصيب كثيرا ممن ينظر إلى الظاهر بصدمة ثقافية إذا قارن بين واقع المجتمعات الغربية مع ما فيها من أمراض، وواقع المجتمعات الإسلامية، ولو أنه قارن بين الإسلام لا المسلمين، وحال المجتمعات الغربية ما أصيب بتلك الصدمة، ولذلك صار الغرب، مع أنه دار كفر، ملجأ لكثير من المسلمين، فهم، على أقل تقدير، يحيون فيه حياة آدمية، بالنظر إلى متطلبات الحياة المادية، وهو ما نفتقده في كثير من دول العالم الإسلامي، وأما الجانب الإيماني، فيمكن، كما يقول بعض الفضلاء، أن ينميه المسلم في بيته، أو مع صحبة صالحة كصحبة المسجد، وهي أفضل صحبة في أي مكان سواء في الشرق أو الغرب، وتلك وجهة نظر، لا يلزم بالضرورة أن تكون صحيحة، ولكن فيها قدرا كبيرا من الواقعية بالنظر إلى الأوضاع الدينية والدنيوية المتدهورة في العالم الإسلامي، فلم تعد كثير من النساء على سبيل المثال في مصر، قادرات على إشهار

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير