تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[يا لها من تضحية!!!]

ـ[رحمة]ــــــــ[01 - 10 - 2010, 06:03 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلت إليّ هذه القصة، وأذكرها في باب "استرخاص الغالي والنفيس من أجل الله سبحانه وتعالى".

كيف يضحّي هؤلاء من أجل الله؟!

وكيف نظل نحن نأكل ونشرب لا نريد أن نضحي ولو حتى بأغنية أو سيجارة أو ثوب جديد؟!

أقدّم شيئًا يدلّل على صدق محبتي لله سبحانه وتعالى!

************

يقول: عرفتها صغيرة في الثالثة عشر، تأتِي لزيارة أبيها وراء القضبان، وكنت أنا فتى في العشرين، كنت أصغرَ من طالتهم المحنة الطويلة! لم تكن في عيني أكثر من طفلة بريئة.

مرت الأيّام وصارت عروسا، وإذا بأبيها يخطبني لها.

قلت: أأفعل وأنا وراء القضبان؟

قال: تَفعلْ.

************

وانفرجت الأزمة وزالت الغمّة وما نسيت كلمات أبيها.

فاتحتُ أمي فقالت: ما لنا والغريبة؟ بنت خالك أولى بك، تعرفنا ونعرفها، وتُنْسِيك هذا الطريق الذي أرانا أيّاما صعبة.

قلت: لا يا أمي! أريد من تعينني على الطريق.

قالت: إذن، أنت وشأنك!

************

ذهبتُ إليها، نظرتُ في عينيها، أطرقتْ خجلا، سألتها: أترتضينني زوجا؟

قالت: ارتضاك أبي، فأنا أرتضيك.

قلت: أنا يومٌ معك وأيّامٌ وراء القضبان.

قالت: لهذا ارتضيتك.

قلت: أنا مطارد.

قالت: ولمَ؟

قلت: لأنّني على الحقّ!

قالت: عرفتَ، فالزَمْ.

قلت: قد يعدموني، قد يزهقون روحي، قد يُطِيرون رقبتي!

قالت: وماذا جنَيْت؟

قلت: أقول ربيَّ الله.

قالت: فطريقك طريقي، وتسبِقُني إلى الجنّة.

قلت: أمّي، لا تحبّك!

قالت: أَصبرُ وأَحتسبُ.

قلت: توكلّتُ على الله.

وعقدتُ عليها.

************

سألتها: أنا لا أعرف كلام الغزل.

قالت: عيناك تقول ليَ الكثير.

قلت: يا بنتَ النّاس، نحن لازلنا على البرّ، وحياتي صعبة.

قالت: بل نحن في عرض البحر! وأنا أحب حياتك.

قلت: محنٌ كثيرة!

قالت: فمن لها غيري؟!

تزوجنا، حملتْ بطفلٍ، ما أسَعَدَنَا بعدها وحَدَثت المحنة! وجرجروني أمامها مكبّلا بالسلاسل!

ترقرق الدمع في عينيها.

قلت: أ لَم أقل لكِ؟

قالت: قيدُكَ كأنّها حول رقبتي! اثبُتْ فإنّك على الحقّ!

************

ذهبوا بي إلى مكان بعيد، كانت تأتيني كل زيارة، وما بين زيارةٍ وزيارةٍ تتحايل لتأتيَني أو حتى تنظر إليَّ من بعيد.

قلت لها: قد ثَقُلَ حملك والطريق شاقّ، استريحي.

قالت: وهل من راحة إلا في جوارك؟

شاءَ الله أن كانت مشقّة الطريق سببا لوفاةِ جنينها؛

زارتني، قالت: أضعتُ أمانتكَ.

قلت: إنّها مشيئة الله.

************

وانفرجت المحنَة، ومرّت الأيام، ولم يُرِد الله حملاً آخر.

وكانت المفاجأة: لن تكوني أمّا يوما ما!

قالت لي: تزوج!

لم أجبها.

كرّرتهَا.

قلت: ومن قال لك أنّي لم أتزوّج؟

زاغت عيناها!

قالت بصوت متحشرج: منذ متى وأنت متزوّج؟

قلت: من قبل أن أتزوّجك، ولديَّ من البنين والبنات الكثير.

قالت: أنت تمزح!

قلت: لا والله! قد تزوّجتُ هذه الدعوة! وبَنِيها كُلُّهم بَنِيَّ!

قالت: إذن أربّيهم معك.

قلت: هكذا أريدك!

أتيتها يومًا فَرِحًا: حبيبتي في يدِي عقد عملٍ، سنسافر ونبتعد عن الخوف والقلق.

نظرت إليّ في صرامةٍ وقالت: ما على هذا اتّبعتك!

قلت: فعلى ما إذن؟

قالت: على الجهاد والابتلاء والصبر والاحتساب، إن فَعَلْنَا نحن فمن للصبر والثبّات!

قلت: أُحِبُّكِ.

************

وتأتي المحنة، وأُسحَبُ وراء القضبان!

هذه المرّة لا أدري كم ستطول المدّة!

قلت لها: هذه المرّة قد تطول! أنت يا بنتَ النّاسِ في حلّ.

قالت: كلاّ! لا تكمل، ليتني مكانك!

قلت: قد أُعْدَم!

قالت: تسبِقني إلى الجنّة.

قلت: شرطي أن تتزوجي.

قالت: وهل في الرجال بعدك مكان؟!

أراها في الزيارة تلو الزيارة، تذبل، يصفّرُ وجهها.

أسألها:؟

تقول: من قَلَقِي عليك.

داهمها المرض الخبيث! لم تُخبِرني! ولم تتخلف زيارةً واحدةً.

أكره هذه الأسلاك التي تمنعني أن ألمس يدها.

أقول لها: اكشفي وجهك، أريد أن أراكِ.

تقول: النّاس من حولنا ينظرون إلينا!

وإذا هي تخفي عنّي الحقيقة.

************

فوجئت يوما بزيارتها في غير الموعد؛ مأمور السجن يتَلَّطَف معي وكأنّه يخفي شيئا!

زيارة من غير سِلْك!!!

أخيرا ألمس يدك!!

أخيرا أنظر لوجهك!!

ماذا؟؟؟ أين وجهك؟؟؟ لم يعد له معالم!!!

يعتصر الألم قلبي: ماذا هناك؟؟؟؟!!!!

قالت: من حقّك أن تعرف، أيّامي صارت معدودة! أ أنتَ راضٍ عنّي؟؟؟

وأخبرتني بالحقيقة، وثرتُ وبكيتُ.

لماذا أنا آخر من يعلم؟

وما كان يجدِيك أن تتألّم؟ أنا الآن هنا أطلب رضاك، ولا أدري هل تراني بعد اليوم أم لا؟

لا! لا! سأحطّمك أيّتها القضبان! أكرهُكُم أيّها الظَلَمَة!

شدّت على يدي مودّعة: أنتَ لهَا. تَذَكَّرْ، لعلَّ الله يبدلكَ من هي خيرٌ منّي!

لم تسعفني الكلمات، لم أعد أرى أمامي، أبتلع دموعي الحآرّة، مرةً في حلقي، مرةً تسقط من أنفي.

تلاشت من أمامي!

وفي نفس اليوم، أتاني نعْيُها! لم يتحمل جسدها الهزيل مشّقة الطريق إلى السجن!

آآآآآآآآه ما أقسى المحنة!!!

جادوا عليّ بالسَّمَاح بحضور جنازتها؛

مشيتُ فيها محمولا كشيخ هزيل!

دَسَّ أخوها بيَدي خطابا منها، توصيني بالصبر وتتركُ لي أسماءَ زوجاتٍ قد اختارتهم لي!

مزّقتُ الورقة وعدت إلى زنزانتي.

هكذا تكون التضحية من أجل الله سبحانه وتعالى!

أسأل الله أن ينفعني بها وإيّاكم،

وأن يرزقنا الهمّة والتوفيق والإخلاص والثبات على الحقّ حتى نلقاه

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير