تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من روائع الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله ((زوجتي))!]

ـ[المهرة]ــــــــ[02 - 10 - 2010, 10:25 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

من روائع الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله ((زوجتي))!!

زوجتي!!

قال لي صديق، معروف بجمود الفكر، وعبادة العادة، والذعر من كل خروج عليها أو تجديد فيها. قال:

- أتكتب عن زوجك في الرسالة تقول إنها من أعقل النساء وأفضلهن؟ هل سمعت أن أحداً كتب عن زوجه؟ إن العرب كانوا يتحاشون التصريح بذكرها، فيكنّون عنها بالشاة أو النعجة استحياء وتعففا، حتى لقد منع الحياء جريراً من رثاء زوجه صراحة، وزيارة قبرها جهارا. ومالك بن الريب لمّا عد من يبكى عليه من النساء قال:

فمنهن أمى وابنتاها وخالتى **** وباكية أخرى تهيج البواكيا

فلم يقل وامرأتى. . وكذلك العهد بآبائنا ومشايخ أهلنا. لم يكن يقول أحد منهم: زوجتى؛ بل كان يقول: أهل البيت وأم الأولاد، والجماعة،والأسرة، وأمثال هذه الكنايات. أفترغب عن هذا كله، وتدع ما يعرف الناس،وتأتى ما ينكرون؟

قلت: نعم!

فكاد يصعق من دهشته مني، وقال:

- أتقول نعم بعد هذا كله؟

قلت: نعم! مرة ثانية.

أكتب عن زوجتي فأين مكان العيب في ذلك؟ ولماذا يكتب المحب عن الحبيبة وهي زوج بالحرام،ولا يكتب الزوج عن المرأة وهي حبيبته بالحلال؟ ولماذا لا أذكر الحق من مزاياها لأرغب الناس في الزواج. والعاشق يصف الباطل من محاسن العشيقة فيحبب المعصية إلى الناس؟ إن الناس يقرؤون كل يوم المقالات والفصول الطوال في مآسي الزواج وشروره، فلم لا يقرؤون مقالة واحدة في نعمه وخيراته؟

ولست بعد أكتب عن زوجي وحدها؛ ولكنى كما كان هوجو يقول: 'إني إذا أصف عواطفي أبا، أصف عواطف جميع الآباء'.

لم أسمع زوجاً يقول إنه مستريح سعيد، وإن كان في حقيقته سعيداً مستريحا، لأن الإنسان خلق كفورا، لا يدرك حقائق النعم إلا بعد زوالها؛ ولأنه ركب من الطمع، فلا يزال كلما أوتى نعمة يطمع في أكثر منها، فلا يقنع بها ولا يعرف لذتها. لذلك يشكو الأزواج أبدا نساءهم، ولا يشكر أحدهم المرأة إلا إذا ماتت، وانقطع حبله منها وأمله فيها؛ هنالك يذكر حسناتها، ويعرف فضائلها. أما أنا فإني أقول من الآن – تحدثا بنعم الله وإقراراً بفضله – إني سعيد في زواجي وإني مستريح.

وقد أعانني على هذه السعادة أمور يقدر عليها كل راغب في الزواج، طالب للسعادة فيه، فلينتفع بتجاربي من لم يجرب مثلها، وليسمع وصف الطريق من سالكه من لم يسلك بعد هذا الطريق.

أولها: أني لم أخطب إلى قوم لا أعرفهم، ولم أتزوج من ناس لا صلة بيني وبينهم. . فينكشف لي بالمخالطة خلاف ما سمعت عنهم، وأعرف من سوء دخيلتهم ما كان يستره حسن ظاهرهم، وإنما تزوجت من أقرباء عرفتهم وعرفوني، واطلعت على حياتهم في بيتهم واطلعوا على حياتي في بيتي. إذ رب رجل يشهد له الناس بأنه أفكه الناس، وأنه زينة المجالس ونزهة المجامع، وهو في بيته أثقل الثقلاء. ورب سمح هو في أهله سمج، وكريم هو في أسرته بخيل، يغتر الناس بحلاوة مظهره فيتجرعون مرارة مخبره. .

تزوجت بنتاً أبوها ابن عم أمي، وهو الأستاذ صلاح الدين الخطيب شيخ القضاء السوري المستشار السابق والكاتب العدل الآن. وأمها بنت المحدّث الأكبر، عالم الشام بالإجماع الشيخ بدر الدين الحسنى رحمه الله. فهي عريقة الأبوين، موصولة النسب من الجهتين.

والثاني: أني اخترتها من طبقة مثل طبقتنا. فأبوها كان مع أبي في محكمة النقض،وهو قاض وأنا قاض، وأسلوب معيشته قريب من أسلوب معيشتنا،وهذا هو الركن الوثيق في صرح السعادة الزوجية، ومن أجله شرط فقهاء الحنفية (وهم فلاسفة الشرع الإسلامي) الكفاءة بين الزوجين.

والثالث: أني انتقيتها متعلمة تعليماً عادياً، شيئاً تستطيع به أن تقرأ وتكتب، وتمتاز من العاميات الجاهلات، وقد استطاعت الآن بعد ثلاثة عشر عاماً في صحبتي أن تكون على درجة من الفهم والإدراك، وتذوق ما تقرأ من الكتب والمجلات، لا تبلغها المتعلمات،وأنا أعرفهن وكنت إلى ما قبل سنتين ألقي دروساً في مدارس البنات، على طالبات هن على أبواب البكالوريا، فلا أجدهن أفهم منها، وإن كن أحفظ لمسائل العلوم، يحفظن منها ما لم تسمع هي باسمه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير