[أمتنا في تقدم أم تأخر؟]
ـ[الخطيب99]ــــــــ[29 - 09 - 2010, 07:21 ص]ـ
على مدار التاريخ كانت الذات الإنسانية تتمتع بدرجة عالية من الكتامة. والذين يعانون من كتامتها هم البشر أنفسهم، وإذا تجاوزنا الفرد إلى المجتمع والمجتمع إلى الأمة، زادت درجة الإبهام وكثرت معها الأسئلة والتساؤلات؛ فإذا أردنا أن نعرف أسباب ما نحن فيه من خير وشر، ونجاح وخيبة ... فإننا نكون قد دخلنا على منطقة شديدة الغموض؛ حيث إن وضعية أي مجتمع تتبلور نتيجة وجود عدد هائل من الأسباب المتداخلة والمتنوعة.
إن معرفة الإنسان بذاته -والمجتمع من باب أَوْلى- دائمًا منقوصة وأحيانًا مشوَّهة، وهذا يعود إلى عدد من الأسباب الكبرى، منها:
1 - قصور النظام اللغوي:
إن من المؤسف أن اللغة -أي لغة- التي يستخدمها الإنسان في الفهم والتعبير والتواصل هي أداة ناقصة، ولا سيما حين يتمحور الحديث حول الأمور غير المحسوسة مثل: الحب، والكره، والجودة، والرداءة، والصلاح، والانحراف، والقوة، والضعف.
ولهذا؛ فإن سوء الفهم ليس حادثًا عابرًا، وإذا استقرأنا التاريخ والواقع؛ فإننا نجد أن معظم ما يتحدث به الناس عبارة عن كلام غير حاسم في دلالته، وهذا جعل باب الاجتهاد مُشْرَعًا في كثير من المسائل.
2 - التعريفات والمصطلحات:
إننا حين نحاول فهم أنفسنا وواقعنا وتاريخنا ... نجد أننا لن نستطيع الحصول على أي شيء من غير استخدام عدد كبير من التعريفات والمصطلحات، وهذه بطبيعتها تُعَبِّر عن التنوع الثقافي الموجود لدى الأفراد ولدى الشعوب؛ ولهذا فإن التعريفات والمصطلحات تَقْبَل دائمًا الانتقاء وتقبل التحيُّز، ولك أن تنظر في مواقف كثير من الناس من مدلولات كلمات مثل: الإرهاب، والحشمة، والتدين، والضرورة، والحاجة، والترفيه، والتعصب، والأمن، والتقدم، والتخلف، والازدهار، والتألق ...
إن كل شخص سيتحدث عن معاني هذه الكلمات من أفق معتقده وثقافته وخبرته في الحياة ونظرته العامة للأشياء، وهذا يجعل ما نصدره من أحكام على كل الوقائع المتصلة بما ذكرناه، قائمًا على أساس هشٍّ، ومن ثَمَّ فإن الحوار حولها لا يأتي في الغالب إلا بالقليل من النتائج.
3 - ضعف المعرفة بالآخر:
حين يريد شخص ما معرفة وضعيته الخاصة على أي مستوى من المستويات وفي أي مجال من المجالات؛ فإنه يجد نفسه في أمسِّ الحاجة إلى أن يعرف موقعه بين أقرانه وزملائه وكل أولئك الذين تتشابه أحوالهم مع أحواله؛ ولهذا فإنك حين تقول: فلان طبيب ماهر جدًّا، تسمع من يقول: فلان طبيب عادي، لكن الطبيب الذي يشهد له الأطباء بالكفاءة فعلاً، هو فلان.
وحين تقول: فلان أكثر أبناء الحي حرصًا على صلاة الجماعة؛ فقد تسمع من يقول: فلان أحرص منه، ودائمًا يصلي خلف الإمام ...
إذن كل الأمم لا تقيِّم أوضاعها بمعزل عن أوضاع الأمم الأخرى المعاصرة لها، والمشكل في هذا أننا إذا كنا لا نعرف أوضاعنا على نحو جيد؛ فكيف يفهمها الآخرون ويتخذون منها محكًّا لفهم أوضاعهم؟! ونحن نعرف أن الذي لا يعرف ذاته لا يستطيع تقديمها للآخرين على نحو واضح، ومن ثَمَّ فإن الآخرين من جهتهم لا يستطيعون فهمها.
لهذه الأسباب وأسباب أخرى تكون معرفتنا بأنفسنا وبمن حولنا وبأوضاعنا وأوضاع من حولنا دائمًا غير مكتملة، ونتيجة لذلك علينا أن نرضى بأحكام ظنية تقريبية، وأن نَقْبَل بفتح الجدل حول كثير مما نقوله، وهذا من القصور المستولي على جملة البشر.
إذا عدنا الآن إلى عنوان هذا المقال، والذي هو عبارة عن تساؤل حول وضعية الأمة في الوقت الحاضر، وهل هي وضعية إقبال وتقدم، أو هي وضعية تراجع وإدبار؟
فإننا سنلاحظ أننا نتحدث عن كيان كبير يعيش نَحْوٌ من ثلثه في دول غير إسلامية؛ حيث يكون المسلمون عبارة عن أقلية صغيرة أو كبيرة، أما ثلثا المسلمين فهم موزعون على ما يزيد على خمسين دولة، وهذا يعني أن أوضاع المسلمين على مستوى السياسة والاقتصاد والتمسك بتعاليم الدين الحنيف وعلى مستوى التعليم والصناعة ... ليست واحدة؛ حيث إن هناك فروقًا ذات معنى بين أحوال المسلمين في دولة كالنيجر أو الصومال وبين أوضاع المسلمين في السعودية أو ماليزيا أو تركيا، وهذا يعني أن الجواب سيكون عامًّا جدًّا، وعلى مقدار عموميته ستكون المسافة التي تفصله عن الدقة وعن الفائدة أيضًا.
د. عبد الكريم بكار
المصدر: موقع إسلاميات ( http://islameiat.com/main/?c=324&a=4004)