وأسرهم قلبا وهذه جنة عاجلة قبل الجنة الآجلة.
قال النبي صلي الله عليه وسلم:"إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قالوا: وما رياض الجنة؟ وقال: حلق الذكر". ومن هذا قوله صلي الله عليه وسلم"ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة". ومن هذا قوله -وقد سألوه عن وصاله في الصوم- وقال: إني لست كهيئتكم إني أظل عند ربي يطعمني ويسقيني"فأخبر صلي الله عليه وسلم إن ما يحصل له من الغذاء عند ربه يقوم مقام الطعام والشراب الحسي وإن ما يحصل له من ذلك أمر مختصا به لا يشركه فيه غيره فإذا أمسك عن الطعام والشراب فله عوض عنه يقوم مقامه وينوب منابه ويغنى عنه كما قيل:
لها أحاديث من ذكراك تشغلها ... عن الشراب وتلهيها عن الزاد
لها بوجهك نور يستضيء به ... ومن حديثك في أعقابها حادي
إذا اشتكت من كلال السير أوعدها ... روح اللقاء فتحي عند ميعادى
وكل ما كان وجود الشيء أنفع للعبد وهو إليه أحوج كان تألمه بفقده أشد وكل ما كان عدمه أنفع كان تألمه بوجوده أشد ولا شيء علي الإطلاق أنفع للعبد من إقباله علي الله واشتغاله بذكره وتنعمه بحبه وإيثاره لمرضاته بل لا حياة له ولا نعيم ولا سرور ولا بهجة إلاّ بذلك فعدمه آلم شيء له وأشد عذابا عليه وإنما تغيب الروح عن شهود هذا الألم والعذاب لاشتغالها بغيره واستغراقها في ذلك الغير فتغيب به عن شهود ما هي فيه من ألم الفوات بفراق أحب شيء إليها وأنفعه لها وهذا بمنزلة السكران المستغرق في سكره الذي احترقت داره وأمواله وأهله وأولاده وهو لاستغراقه في السكر لا يشعر بألم ذلك الفوات وحسرته حتى إذا صح وكشف عنه غطاء السكر وانتبه من رقدة الخمر فهو أعلم بحاله حينئذ وهكذا الحال سواء عند كشف الغطاء ومعاينة طلائع الآخرة والإشراف علي مفارقة الدنيا والانتقال منها إلى الله بل الألم والحسرة والعذاب هناك أشد بأضعاف أضعاف ذلك فإن المصاب في الدنيا يرجو جبر مصيبته في الدنيا بالعوض ويعلم أنه قد أصيب بشيء زائل لا بقاء له فكيف بمن مصيبته بما لا عوض عنه ولا بدل منه ولا نسبة بينه وبين الدنيا جميعا؟ فلو قضي الله سبحانه"عليه"بالموت من هذه الحسرة والألم لكان العبد جديرا به وإن الموت ليعود أكبر أمنيته وأكبر حسراته هذا لو كان الألم علي مجرد الفوات كيف وهناك عن العذاب علي الروح والبدن أمور أخرى وجودية مالا يقدره قدره؟ فتبارك من حمل هذا الخلق الضعيف هذين الألمين العظيمين اللذين لا تحملهما الجبال الرواسي.
فاعرض علي نفسك"الآن"أعظم محبوب لك في الدنيا بحيث لا تطيب لك الحياة إلاّ معه فأصبحت وقد أخذ منك وحيل بينك وبينه أحوج ما كنت إليه كيف يكون حالك؟ هذا ومنه كل عوض فكيف بمن لا عوض عنه كما قيل:
من كل شيء إذا ضيعته عوض ... وما من الله إن ضيعته عوض
وفي أثر إلهي"ابن آدم خلقتك لعبادتي فلا تلعب وتكفلت برزقك فلا تتعب ابن آدم أطلبني تجدني فإن وجدتني وجدت كل شيء وإن فتك فاتك كل شيء وأنا أحب إليك من كل شيء".
ابن القيم
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[30 - 09 - 2010, 10:24 ص]ـ
جزاك الله خيرا أبا سهيل
نقل مفيد
وجزى الله ابن القيم خيرا على ما قدم وأعطى
اللهم ألهمنا شهادة عند الموت وأن نعبدك بحق لأنه لا معبود بحق إلا أنت.
ـ[بندر بن سليم الشراري]ــــــــ[30 - 09 - 2010, 11:50 ص]ـ
بارك الله فيك أبا سهيل
أحسنت في الاختيار ووفقت في النقل
ـ[محمد التويجري]ــــــــ[30 - 09 - 2010, 07:11 م]ـ
جزاك الله خيرا أبا سهيل
من أجل هذه الكلمة خلق الثقلان
ـ[زهرة متفائلة]ــــــــ[30 - 09 - 2010, 10:56 م]ـ
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد:
الأستاذ الفاضل: أبا سهيل
جزاك الله خيرا، موضوع قيم ومفيد، جعله الله في موازين حسناتكم يوم تلقونه، وكتب الله لكم الأجر والمثوبة، ونفع بكم الأمة الإسلامية / اللهم آمين.
تعليق
بالفعل لا شيء أعظم من كلمة التوحيد: لا إله إلا الله
وكان الثوري يقول: لاشيء أقطع لظهر إبليس من قول (لا إله إلا الله).
بارك الله فيكم.
ـ[أحاول أن]ــــــــ[01 - 10 - 2010, 12:25 م]ـ
جزاكم الله خيرا أستاذنا أبا سهيل
نفعنا الله وإياكم بها وألهمنا ذكره وشكره في كل حال
ـ[الخطيب99]ــــــــ[02 - 10 - 2010, 07:56 ص]ـ
هي الكلمة التي يدين لنا بها العرب و العجم كما أخبر الصادق المصدوق
صلى الله عليه وسلم
**
¥