تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

كما تسلطوا على الكتاب العزيز بسيف التأويل، وهذا التيار العقلي يتميز، كما في تقريرات كثير ممن يدعون العقلانية، يتميز بازدراء شديد للسنة، حتى من الناحية المنهجية، فهم ابتداء ينكرون حجية حديث الآحاد في العقائد، وتلك دعوى عريضة رد عليها أهل العلم ممن يعظمون الوحي ردودا بليغة المبنى كثيرة العدد، فلا مجال لذكر أسمائهم فضلا عن بسط حججهم الدامغة، فخبر الآحاد الذي احتفت به القرائن ولا يخلو منها حديث وسمه المحققون من أهل هذا الشأن بالصحة، يفيد العلم والعمل معا، وإن لم تكن إفادته للعلم ضرورية كالمتواتر بل هي نظرية، ولكنها توجب أن يعمل المكلف بما اعتقد صحته فيكون عمله الظاهر فرعا عن علمه الباطن، ومن الطبيعي أن يقف المزدري للسنة في مسائل كالإلهيات الغيبية، ففي قلبه من الكبر ما فيه إلا من غلط من أهل العلم الفضلاء فسلك مسلك المتكلمين في بعض المسائل أو حتى كان على طريقتهم ولكنه كان معذورا بأن ذلك هو العلم المتداول في زمانه، من الطبيعي أن يقف أيضا موقف المزدري للسنة العملية مع أنه يزعم أن سنة الآحاد حجة في العمل، والنقاب قد ثبت بها ولكن المخالف ينكر ذلك بل ويزدري النقول الصحيحة فينعتها بالبطلان أو يحكم عليها بالخطأ لمجرد أن عقله لا يروق له هذا الحكم ولو كان عمليا، فهو قد خاض فيما هو أعظم فجوز لنفسه أن يخوض في ذات وصفات الرب، جل وعلا، بعقله، وعزل النص عن منصب الاستدلال في باب لا يستدل فيه إلا بالنص وحده، فهو غيب محض، فكيف له وقد بلغ هذا القدر من التعالي على السنة ألا يحتقر ما يرد من طريقها ولو كان شعيرة عملية، بل سخريته من أحكام لا تروق له جاءت بها السنة آكد وأولى، وهو ما يقع فيه أمثال الدكتورة المفتونة بعقلها الذي حصلت فيه على دكتوراه في العقيدة والفلسفة، وذلك ما يؤكد فعلا على أمور منها:

خطورة التهوين من شأن السنة في نقاب أو غيره، فقد بدأ الجفاء في حق السنة بعزلها في باب الخبريات وكان المتوقع ضرورة بعد ذلك أن يزيد الغلو فتكون السنة كلها محل نظر وشك بل وسخرية في كثير من الأحيان، والعلمانيون رواد ذلك وأولئك الدكاترة في الفلسفة روافد تغذي تطرفهم الفكري بقوة.

وأهمية إبطال تلك التأويلات بعرض عقيدة السلف المنقولة بالآثار التي لا يدرك قيمتها إلا من عظم السنة، والتصدي لتلك العقائد الكلامية، لا سيما وهي عقائد قد مكن لها في مناهج المؤسسات التعليمية الدينية في معظم دول العالم الإسلامي، وإن كان أثرها محدودا، ولله الحمد والمنة، في عقائد عموم المسلمين حتى من الدارسين لها اضطرارا!، فهي تخالف الفطرة الإيمانية الأولى في تكلفها الذي يخرجها أحيانا عن قانون الشرع واللسان ويجعلها أشبه ما تكون بتأويلات أصحاب الملل والنحل الباطلة، وبذل الجهد في تقرير مسائل الإلهيات كالأسماء والصفات: عمل حميد يشكر لفاعله، ولكنه، أيضا، ليس الدين كله، حتى لا يحدث الغلو الذي يقابل غلو المتكلمين، وهو الذي جعل كثيرا من الناس، حتى من أصحاب الاتجاهات الإسلامية، يتندر بأن أتباع المنهج الذي ينتسب إلى طريقة السلف لا هم لهم إلا تقرير مسائل الأسماء والصفات!، فلا دور لهم في حياة الناس، فتلك مسائل لا تشغل بال كثير منهم، بل لعلها لسلامة فطرتهم لم تخطر على بالهم، فعرضها عليهم يحسن إجمالا، ولا يحسن التفصيل لهم ابتداء، بل لا يكون تفصيل لهم، والله أعلم، إلا إن وردت عليهم شبهة، بخلاف من طلب علم هذه المسائل أو جملة منها طلبا منهجيا مدروسا فيكون التفصيل له تثبيتا لتلك المعلومات الجليلة في ذهنه، والشاهد أن الاستغراق في تلك المسائل فعلا قد عزل كثيرا من طلبة العلم بل بعض أهل العلم عن واقع الحياة وما يجري فيه من أحداث، لا سيما الأحداث الدولية والمحلية المتصاعدة، كما رأينا في مصر مثلا في نوازل متتالية في الآونة الأخيرة لم يتصد لها بشكل ظاهر إلا بعض أهل الدعوة من المخلصين وإن لم يكونوا أهل علم بمعنى التخصص المتبادر إلى الذهن، ومعهم بعض أهل العلم على تفاوت بينهم.

فالدين، كما تقدم، كلٌ لا يتجزأ فهو عقيدة وشعيرة وسياسة واقتصاد وأخلاق ...... إلخ، فلا يحسن الاستغراق في تحرير بعضه والعزوف الكامل عن بقية أبعاضه، بل لا بد لكل مسلم من قسط من كل علومه وأعماله، وإن تميز في بعضها تبعا لقدراته الذهنية والجسدية، فليست النفوس سواء في تحمل التكاليف الشرعية فيسهل على بعض ما لا يسهل على آخرين، وبين الاستغراق في تحرير مسائل العلم وتلك وظيفة جليلة، وتحرير مسائل الوقائع وذلك مسلك يدل على غيرة حميدة، يحسن الجمع بين كليهما قدر المستطاع ولن يكون ذلك إلا بإذن وتوفيق الرب جل وعلا.

وناقل الخبر كالعادة جريدة اليوم السابع التي يمتلكها نجيب ساويرس، وهو من ألد أعداء الدين عموما والحجاب خصوصا من الكفار الأصليين من أهل الكتاب رغم أنفه الذي يستنكف وصف المسلمين لأهل ملته بالكفر الصريح المستوجب للخلود في العذاب، ورغم أنفه آبائه كشنودة وبيشوي الذين شككوا في صحة الآيات الكريمات المكفرة لهم وللكاثوليك معا.

والله أعلى وأعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير